بقلم عبد الخالق قلعه جي
لم تترك الأمثال الشعبية واحداً من جوانب الحياة ، إلا وكان لها فيه ما يقال ” بعد العرس مافي زردة ” و” الصلاة على الحاضر ” و” البكي على تم الجب ” و” ضروب الحديد وهو حيمي ” وغير ذلك من الأمثال التي تقول .. إن كثيراً من التفاصيل مرهونة بآنيتها وستفقد قيمتها – إن تأخرت – بعدما ندخل الوقت الضائع .
يستوقفك أحدهم في شارع ، أو يدق عليك الباب .. يطلب مساعدة ” من مال الله ” فيكون الجواب دون أن تمتد اليد للجيب في معظم الأحيان ” الله يعطينا ويعطيك “
تمر في سياق حديث مع أحدهم مريضاً ، فتقفز إلى الشفاه الله يعافينا ويعافيك .
ما بين الـ (نا ) والـ ( ك ) يقوم معرض صور من الحياة .. بأنماطها وألوانها وماهية علاقاتها ، تقول بتعاطف ما ، ” شكلي .. أو ضمني وحقيقي مع حال ” وتقول في جانب آخر .. بأن الـ ( نا ) التي تخصنا ، تأتي أولاً ، لتعكس ما تعكس من فلسفة ورؤية وأولوية حياة .
” جميل أن تعطي من يسألك .. أجمل من ذلك ، أن تعطي من لم يسألك ، وقد أدركت حاجته ” هذا بعض ما قاله جبران خليل جبران .. عن العطاء .
وطالما نحاول تلمس الأجمل ، فإن تفاصيل شخصية وعائلية .. إنسانية واجتماعية وروحية واعتبارية ، ينبغي أن تكون حاضرة .. سُلَماً للارتقاء إلى جدارة ، أن تتزكى وأن تكون للعطاء أداة .
في الموسيقى والغناء ، وبالإضافة إلى العلامات الموسيقية التي تشكل اللحن .. تأتي علامات الصمت ، وغالباً ما تكون ذات الزمن الأقصر ، لتزيد تلك الجمل جمالاً وجلالاً .
تتبدل الصورة في موسيقى العيش ، وتختلف الألحان .. إذ غالباً ما تأخذ علامات الصمت الأزمنة الأطول ، في ظل وطأة الحياة هذه وتقلباتها ، وضجيج علاقات الناس ومدى تواصلهم وتوادهم وتراحمهم وأشكال تعبيرهم .
يبادرون في مناسبات كثيرة – وعلى اختلاف مسافات قربهم وأسبابهم – للتواصل والسؤال والاطمئنان ، عن صحةٍ وحالِ عيش وغيرها … يعود كل حي إلى ماكان عليه وينفضُّ المولد .. لنكون لاحقاً مع موعد آخر يحمل ما يحمل من حدث المناسبة على اختلاف أشكالها والسيناريو واحد .
دافئة بعض كلمات وصادقة … وباهتة أخرى وكأنها ” فض عتب ” .. بعضهم يعطي تباهياً فتذهب نياتهم المستورة بطيب عطاياهم ، وبعضهم يعطي فرِحاً وفرحته جزاؤه ، أو يعطي مكابداً وفي مكابدته تطهير له ،
” ومنهم من يعطي وكأنهم ريحان الوادي يبث عطره في الفضاء … على فيض أمثال هؤلاء تتجلى كلمة الله ، ومن خلال عيونهم تشرق بسماته على الأرض “
ولأنَّ لا زردة بعد العرس ، فإِنَّ وقتاً ذهبياً يومض باستثماره قبل أن ينقضي .. وإِنَّ كثيراً من حال وأحوال ، ماكان لها أن تغدو حرجة ، فيما لو لم تطل أزمنة الغياب وليكون معها دائماً .. الكشف المبكر عن الحاجة .
تقفز من الذاكرة ما قاله مريض لطبيبه ، بعد أن وضع له قائمة ممنوعات من الطعام كحمية .. قال لو كنت آكلها ما كنت مرضت .
أنتم يا من تعطون .. ماذا تنتظرون ولم ؟ أتنتظرون ( كما يقول جبران ) ” أن يكشف لكم الناس عن خبيئة صدورهم ، ويلقوا عنهم رداء الكبرياء ، فترى منهم أقداراً عارية وعزة مبذولة .
وأنتم يا من تأخذون .. لا تسرفوا في الامتنان ، ولئن استبد بكم الشعور ،بان الدَّين عليكم فادح ، فذلك شك في كرم من يعطي”.
مستديرة هي محطات الحياة .. وبيضاء بعض أيامها ، ومطموسة سوداء ، بعضها الآخر وذات و ذات .. مثلها كمثل العلامات الموسيقية .. وألحان نأملها عذبة صافية نقية لا يداخلها نشاز .
رغم قسوة أيام نعيشها ، وقبل أن ينهي أحدهم الحديث إليك كتابة أو هاتفياً أو شخصياً يقول : وصينا .. لازمك شي .. بيلزم شي .. أمانة أنا جاهز .