بقلم عبد الخالق قلعه جي
بصوته الرخيم ، أعلن المذيع الأول الأمير يحيى الشهابي انطلاق أثير إذاعة دمشق “هنا دمشق إذاعة الجمهورية العربية السورية ” وذلك في الرابع من شباط لعام ألف وتسعمئة وسبعة وأربعين .
خمسة وسبعون عاماً ، وإذاعة دمشق – ثاني إذاعات الوطن العربي – تتوج عزاً للشرق مذ نشرت عطرها من شارع بغداد إلى شارع النصر فساحة الأمويين .
خمسة وسبعون عاماً على انطلاقتها وأسفار من إبداع وعطاءات وذاكرة .. ذاكرة أهل وناس .. مجتمع .. وطن ، وأمة .
عشرات من السنين ، بعناوينها تطل وبأوراقها .. مبدعون ، وأسماء كبيرة كثيرة أسست لهذه الإذاعة ، وانطلقت معها واستمرت بها ، لتكون عزاً للشرق .. دور مشهود ، وآثار باقية خالدة أبداً في النفس والوجدان .
عمن نتحدث وعم .. بم نبدأ وبمن .. باقية في البال والذاكرة ، ترانيم أمير البزق محمد عبد الكريم وهي تعلن الافتتاح اليومي .. باق في الذاكرة مرحباً يا صباح .. استوديو 26 البث المباشر .. لقاء الأحبة .. الشعر والليل موعدنا .. حكم العدالة وما يطلبه الجمهور .. صابر و صبرية .. نادي الأطفال .. المواطن والقانون .. ظواهر مدهشة ..حكواتي الفن .. معكم على الهواء وغيرها وغيرها .
عندما نتحدث عن إذاعة دمشق فإننا نتحدث عن عراقة وأصالة وريادة .. وعن تقاليد مهنية وثقافة عمل وخطوط محبة حاضرة دائماً في كل التفاصيل أرست قواعدها قامات كبيرة .. نغبط من عاصرها وتتلمذ عليها ، وأجيال تتلوها أجيال .
الأمير يحيى الشهابي ..د صباح قباني .. عادل خياطة .. سامي جانو .. توفيق حسن ..فؤاد شحادة.. منير الأحمد .. نجاة الجم .. خلدون المالح .. نذير عقيل .. طالب يعقوب .. مروان شيخو .. سعاد نحاس .. فردوس حيدر .. محمود الجمعات .. فريال أحمد.. مخلص الورار.. جمال الجيش .. نهلة السوسو .. توفيق أحمد .. علاء الدين الأيوبي ..عمر عيبور وآخرون لهم كل التقدير والاحترام .
مع هذه الأسماء وغيرها ، ومن تتلمذ عليهم ، غدت إذاعة دمشق علامةً فارقةً ومدرسةً إعلاميةً راسخةً ، تطرح ثمارها .. رسائل في الفكر والفن والثقافة والتربية والروح والتراث ، وفي المحبة ولتكون مرآة لكل تلك العناوين وتفاصيلها .
إذاعة دمشق .. مسيرة حافلة ، وأدوار كثيرة نهضت بها .. رواد للغناء العربي احتضنتهم هذه الإذاعة في بداياتهم .. وأطلقتهم نجوماً في سماء الأغنية العربية .. فيروز .. وديع الصافي .. عبد الحليم حافظ .. فايزة أحمد .. سعاد محمد .. نجاح سلام وغيرهم كثير .
” من دمشق .. هنا القاهرة ” .. ” هنا مصر من سورية ” انطلق بها صوت المذيع عبد الهادي البكار من استوديوهات إذاعة دمشق وذلك عام ألف وتسعمئة وستة وخمسين ، بعد أن قصف العدوان الثلاثي على مصر ، الإذاعة المصرية وتوقفت عن الإرسال .
عبر خمسة وسبعين عاماً ، تشكل لإذاعة دمشق أرشيف غني ثري ، يضم في رفوفه مئات آلاف الأشرطة من النفائس في الموسيقا والغناء والأدب والدراما والبرامج المختلفة والحفلات والتسجيلات النادرة ، التي تعتبر بحق رزنامة سمعية ، وشاهدة عصر على عقود من السنين ، وما حملته من مراحل ومحطات واستحقاقات .
في الإذاعة ، تنشأ مع المكان حالة عشق مختلفة تسحر قيسها .. وتسقيه أبجدية المكان رحيقَ جوى ولذةً آسرة ..ينالها من عرف الشوق مكابداً ، والصبابة وعاناها .
مصدر فخر لي أني عملت سنين غير قليلة في رياض الإذاعة هذه ، وتشرفت بأني عاصرت عدداً من الأساتذة الرواد في إذاعتي دمشق وحلب .. تعلمت منهم ، وعملت مع بعضهم .. بكل المحبة والتقدير والاحترام .
بين إذاعة دمشق وشقيقتها التوأم إذاعة حلب ، وشائج عمرها ، عشرات من السنين حين كانت إذاعة دمشق تنتقل إلى إذاعة حلب لتقدم الأخيرة فترتها اليومية الغنائية والبرامجية على الترددات العامة آنذاك .. وصلات للقدود والموشحات لكبار فناني حلب آنذاك صبري مدلل .. صباح فخري محمد خيري مصطفى ماهر سحر وغيرهم وذلك برفقة فرقة إذاعة حلب الموسيقية .
إذاعة حلب بالتعاون مع إذاعة دمشق ، والكثير من البرامج الإذاعية والمسلسلات الدرامية .. سهرات وبث مشترك .. نقل حي ومباشر وحضور أسبوعي مستمر في معكم على الهواء الإذاعة والناس .. وكثيراً ما حملت إذاعة دمشق محبتها قاصدة حلب ، مشاركة أيامها .. في مهرجان الأغنية السورية واحتفالية حلب عاصمة للثقافة ، وفي مناسباتها الكثيرة وفي أيام انتصاراتها وذكراها السنوية .
إذاعة دمشق ، المحبة غامرة .. والكلام يقصر .. في عيدك الماسي ، كل التحية .. حياً سيبقى صداكِ في آذاننا ” بوح شجي وتمتمات ندية ” .