بقلم الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
أتى شعبان شهر المكرماتِ…
فَسِرْ بينَ الأنامِ وكن مُواتي
ففيهِ تُرى سجلاتُ البرايا…
فزيّنها بفعلِ الصالحاتِ
وحاذرْ من فعالٍ سيئاتٍ…
فكلُّ الشؤمِ فِعلُ السيئاتِ
لا زال الإنسان يتلمّس البركة والعطايا التي يفيضها الله تبارك وتعالى في مناسباتٍ دينية زمانية معيّنة وذلك اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرَّضوا لها، لعلَّ أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبداً ) رواه الطبراني.
ونحن في هذه الأيام المباركات حيث يمرُّ بنا شهر شعبان المبارك لا يمكننا إلا أن نتعلّم منه العبرة، ونتلمَّس عبرهُ الموعظة، وننهلُ من معين رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينضب كل ما يُفيدنا في هذه الأيام المباركة، فقد رُوي عن الزهري بسنده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى أن الرجل لينكح ويولد له وقد أخرج اسمه في الموتى) ففي هذا الحديث يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لوائح أسماء الناس الذين انتهت آجالهم تسلَّم إلى ملك الموت في شهر شعبان من كلِّ عام، وقد يتزوَّج الإنسان وينجب وقد سقطت ورقة حياته من الدنيا.
ولذلك فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر في هذا الشهر المبارك التقرب إلى الله تعالى حتى ورد أنه كان لا يصوم شهراً أكثر من شعبان، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( يا رسول الله لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم في شعبان ) قال: ذلك شهرٌ يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحبُّ أن يُرفع عملي وأنا صائم ) رواه النسائي.
لقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم منهجاً كمالياً لتصرفات سائر الأمة في شهر شعبان؛ سواءً كانوا أفراداً أو جماعات؛ حيث أرشد صلى الله عليه وسلم بسنته الفعلية إلى السلوك الأكمل الذي ينبغي أن يسلكه الإنسان؛ فهو حينما سُئل عن سبب الإكثار من الصيام في شهر شعبان أجاب بأنه شهر رفعُ الأعمال لذلك فقد أراد أن يُرفع عمله إلى الخالق العظيم وهو مُستغرقاً وقته وجسده بعبادة الصيام؛ الذي هو من أعظم القربات إلى الله تعالى حيث تولى بيان عظيم ثوابه حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله، قال الله عز وجل: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به؛ يدع شهوته وطعامه من أجلي. للصائم فرحتان : فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه ، ولخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك) ورواه الترمذي.
إذاً فشهر شعبان شهر التصفية للأعمال؛ شهر النظر في عموم السجلات الفعلية للإنسان؛ شهر التجلي الأعظم من الله تعالى على عباده بالمغفرة والكرم والرحمة.
اللهم بارك لنا في شعبان وبلّغنا رمضان وأكرمنا بالأمن والأمان والسلامة والاطمئنان يا رب العالمين يا الله.