بقلم عبد الخالق قلعه جي
مع أيامه المباركة أمضي .. وفي رحابها أطوف مع محرك البحث الرمضاني جيئة ورواحا..عسى بارقة أهتدي إليها، تنهي حيرةً فيما أمضي إليه وبينها أسعى.
رمضان وصور في الذاكرة تبقى ، بتجلياتها الروحية حاضرةً وبطقوسها الاجتماعية من عادات وتقاليد وتفاصيل للأماكن ..لأسواق المدينة ولأسواق رمضان قبل الإفطار و لبعده أخرى .
رمضان ، وأنى تجولتَ تصافحك نفحات هذا الشهر الكريم وعبق تسابيحه وفيض إشراقاته .. أناشيده وأذكاره وابتهالاته، من المآذن تنطلق، تسابيح وجد ورجاء .. رحمة ومغفرة وعتقاً من النار.
مدفع رمضان والجامع الأموي الكبير كانا يعلنان موعد الإفطار.. والأكف إلى السماء تناجي حمداً .. ذهب الظمأ وابتلت العروق ..
جرس الباب أو سقاطته يقرع وتدق ، وتصل معها أطباق السكبة والتي يكون للمقبلات من تبولة وفتوش والكبة النيئة النصيب الأكبر، وأصناف من الطبخ أخرى، يتساكبها الجيران فيما بينهم.
في رمضان تعود إلى كل حي وشارع وتقاطع ومستديرة بسطات السوس برغوته الذهبية الزاهية والتمر هندي، إلى جانب أقراص المعروك بأشكاله المتعددة وأنواعه السادة والمحشي بالتمر أو بالجبن والشوكولا وغيرها.
في حلب القديمة، تكون لرمضان نكهة أخرى مختلفة .. يفوح أريج عبقها من تلك الأسواق (أسواق المدينة ) التي تعود الآن سوقاً بعد آخر .. ساحة بعد أخرى وخاناً بعد آخر .. جامعاً وكنيسة.
ويعبق الكون بالعطر وهو يستعيد صدى صوت شيخ المطربين صبري مدلل المنبعث من الجامع الأموي الكبير ولسان روحه يقول : عني خذوا وبي اقتدوا ولي اسمعوا وتحدثوا بصبابتي بين الورى.
لعل في تفاصيل تلك الأيام، ما اختزنته الذاكرة وكأنها الرُقُم التي حفرتها السنون وقد تشكلت صورة أزمنة وأحداث وأماكن .
من صناديق الذاكرة هذه، يطل رمضان حاملاً في جعبته موائد ذكريات بعيدة قريبة، ووجبات من حلو أيام، وأخرى – في رمضانات أعوام قريبة – تجرعنا مرها، تفاصيل بغيضة قاسية مؤلمة ارتكبتها أياد سوداء حصاراً وتجويعاً وقتلاً لكل سبل العيش والحياة .
“سنين ومرت” لكنها ليست ( زي الثواني ) كما غنتها كوكب الشرق إنما كالدهور.. التي اجتزناها محبة وصبراً وإيمانا .. حقيقةٌ تقولها رزنامة تلك الأيام .. إنّا خرجنا من عنق الجحيم، وحمل الآثمون المارون العابرون خزيهم وعارهم خاسئين وانصرفوا.
يعود رمضان ليسقي منابت الإيمان فينا حسن ظن .. أملاً وثقة – من جديد – ويقيناً لا ريب فيه، نسغاً للنفس والروح .. لتزهر محبة وإحساساً، وعطاء وعبوراً لجسور الامتحان حيث تكون الجائزة وتكريمها .
لن أتحدث عن جنون الأسعار ولهيبها الذي يكوي قبل الجيوب القلوب .. سأستأذن اليوم فيما أستأذن باقات البقدونس والنعناع وحبة البندورة وأستميحها العذر لأنّا ما استطعنا أن نحسن ضيافتها على موائد رمضاننا هذا ولنا كبير أمل أنها ستقدر بكل تأكيد أنا ما زهدنا فيها ولا منها مللنا .. إنما إلى أطباقها ما وجدنا سبيلا.
لا عليكِ ولا علينا .. فرمضان رغم الابتلاء بجوع ونقص من أموال وأنفس وثمرات، هو شهر البشريات والوعد الإلهي للمحبين الصابرين.
هو ما يقوله رمضان وقد تعاقب إحدى عشرة سنة .. وهو ماتلهج به جوارحنا .. اللهم إني لك صمت وعلى رزقك أفطرت .. ذهب الخوف وابتلت العروق سكينة وطمأنينة وثبت الأجر إن شاء الله.