بقلم: الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
أشرق في حياتنا ورفعنا إلى أعلا درجات الحضارة عندما تمسكنا به دستوراً وتشريعاً، فلما تهاونا به راح يحاول الأعداء تدنيسه بإحراقٍ للمصحف المكتوب، ناسين أن كلام الله إشراقّ لا يناله الإحراق.
رأينا وسمعنا وقرأنا الكثير عن أولئك المتطرفين في السويد وقبلها في فرنسا الذين حاولوا تدنيس نسخ المصحف الشريف، وهو عملٌ يأتي في سلسلة اعتداءات – أولئك المجرمين – على رموز الإسلام.
ففي شهر القرآن شهر رمضان الكريم، الموافق لشهر نيسان الجاري أعلنت الحركة والحزب الـمُتطرّف “سترام كورس” عزمها حرق نسخ من المصحف الشريف، وهي حركة مناهضة للهجرة والإسلام أُسست سنة (2017م) وقد أسسها ويقودها المحامي والسياسي الدنماركي السويدي راسموس بالودان، وهو يبلغ من العمر التاسعة والثلاثين، وله عدة سوابق سيئة في مجال الإساءة للمصحف الشريف، وقد اعتُقل ومُنع من دخول بعض البلاد الأوربية بسبب تطرّفه المجرم.
أدى الاعلان الأخير إلى حدوث صدامات واحتجاجات كبيرة في عدة مدن بعد سماح الشرطة السويدية لتلك الحركة المتطرفة بتنظيم التجمعات. وهذه الصدامات ليست الأولى بل حدث قبلها احتجاجات بسبب الموضوع نفسه.
وبعد ذلك الخبر الـمُستفز لكلٍّ إنسانٍ يحمل في صدره قيم الأخلاق والفضيلة بصرف النظر عن انتمائه الديني أقول: إن القرآن العظيم الذي أنزله ربنا سبحانه وتعالى: { هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } [النمل:2]، محفوظٌ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كما قال ربنا سبحانه: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر:9] بيد أن الاعتداء على نُسخةٍ من المصحف الشريف يمثّل اعتداء على الأمة جميعها، ليس الأمة الإسلامية فحسب بل والعربية أيضاً ذلك أن القرآن علاوةً على كونه كلام الله الهادي للناس أجمعين؛ هو فخر الناطقين باللغة العربية إلى أبد الآبدين.
وقد يستغرب البعض لما حدث من تدنيس للمصحف الشريف على يد تلك الثُلة المتطرّفة، والحقيقة أنه لا عجب ولا استغراب من أعمال ذلك الفسل الرخيص وحزبه التافه المجرم؛ فعملهم ذلك دليلٌ على هوانهم على الله تعالى أولاً، وخروجهم من الكرامة الإنسانية ثانياً، وربّنا سبحانه يقول:{ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ } [الحج:18]
وكما قيل “ليس بعد الكفر ذنب”، وهؤلاء يصدق فيهم قول ربنا: { قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } [آل عمران:118]. وإن ما قاموا به يستحقون عليه أعظم العقوبات.
وهم ليسوا الأوائل في تلك الأعمال الـمُشينة بل سبقهم الكثير وكانت عاقبةُ أمرهم خُسرا:
يقول الحاكم الفرنسي في الجزائر بمناسبة مرور مائة عام على احتلالها: يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم، حتى ننتصر عليهم.
إن ما ينتج عن ذلك العمل الـمُشين من ردود أفعال في الشرق والغرب من أبناء أمتنا أكبر دليل على صحوة هذه الأمة وتمسكها بمصحفها واعتزازها بمصدر شرعها، على الرغم من الويلات والنكبات التي تمرّ عليها.
والله أسأل أن ينصر الحق وأهله ويذل الباطل وأهله، وأن يعمّ العالم السلام والخير والمحبة إنه القادر على كل شيء.