بقلم: الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
في شهر ذي قعدة الميمون قد ظهرت
فضائلٌ تُرتجى والخيرُ مكنونُ
فاحفظ لنا ربنا من ذاك قسمتنا
وأجعله بالنصرِ والخيراتِ مقرونُ
ها هو شهر ذي القعدة يسير من بيننا بأيامِه الأولى يُخبرُنا بلسان حاله عن بركته وعظيم فضله.
فشهر ذي القعدة من الأشهر الحُرُم وقد سُمِّيَت الأشهر الحرُم بهذا الاسم لزيادة حرمتها، وعِظَم الذنب فيها، ولأن الله سبحانه وتعالى حرَّم فيها القتال، فقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ…}. [البقرة: 217].
ولقد بيَّنَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري عن أَبي بَكْرَةَ نُفَيْعِ بنِ الحارثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: (ألا إنَّ الزمانَ قد استدار كهيئتِه يومَ خلق اللهُ السماواتِ والأرضَ، السنةُ اثنا عشرَ شهرًا، منها أربعةٌ حُرُمٌ، ثلاثةٌ مُتوالياتٌ: ذو القعدةِ، وذو الحجةِ، والمحرم، ورجبُ مضرَ الذي بين جمادى وشعبانَ).
وشهر ذي القعدة، هو الشَّهر الحادي عشر في التَّقويم الهجري، وهو كما قدّمتُ أحد الأشهر الحرم التي نهى اللهُ عن الظلم فيها؛ تشريفًا لها.
وقد سُمي شهر ذي القعدة بهذا الاسم؛ لأن العرب كانوا يقعدون عن القتال فيه، وهو أول الأشهر الحرم المُتوالية.
ولشهر ذي القعدة مكانة عظيمة فهو أحد أشهر الحج، و العُمرة فيه سُنَّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن عُمرات النبي صلى الله عليه وسلم كنّ في شهر ذي القعدة؛ قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ عُمَرٍ، كُلَّهُنَّ فِي ذِي القَعْدَةِ، إِلَّا الَّتِي كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الجِعرَانَةِ، حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ». [متفق عليه].
هذا وقد وقعت في شهر ذي القعدة أحداث عظام زادت من مكانة هذا الشهر الكريم في قلوب المسلمين، منها: صلح الحديبية: في شهر ذي القعدة من السنة السادسة من الهجرة النبوية.
ومنها: معركة فحل بيسان: ووقعت في شهر ذي القعدة من السنة الثالثة عشرة من الهجرة، وكانت بين المسلمين بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه والروم، وكان النصر فيها للمسلمين كذلك.
ومنها: فتح مدينة جلولاء: ووقعت في شهر ذي القعدة من السنة السادسة عشرة من الهجرة، و وكانت بين المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وبين الفرس، حيث هزمهم المسلمون شر هزيمة.
فيا ربنا أعد علينا عوائد بركات هذا الشهر المبارك وأكرمنا بعودة الأمان والسرور إلى ربوع بلادنا يا رب العالمين.