محمود جنيد
استقر بي المقام في نقطة تلاقي التدافع للمحتشدين داخل باص النقل الداخلي المستثمر، وأنا في طريقي يوم أمس مع بعض أناقتي إلى مقر صحيفتي الجماهير، للمشاركة في حفل الاستقبال بمناسبة عيد الصحفيين السوريين.
مكالمة هاتفية كان على طرفها أحد الزملاء بخصوص تنسيق مادة صحفية عاجلة، وشت بأنني أعمل ضمن السلك الصحفي، ليداهمني وانا في عنق الزجاجة غير الآبهة بالمتحور الكوروني أوميكرون، تساؤل جاري السيامي: وهل بقي صحافة وصحفيين أصلا هذه الأيام الغبراء، ألا تبصرون مانحن فيه أكثر من ساعة انتظار تحت الشمس حتى شرّف الباص مع غياب السيرفيسات وعزوف القليل الملتزم منها بالعمل عن نقل الركاب والبعض يتقاضى ٥٠٠ ليرة والتكاسي تطلب ١٥٠٠ ليرة كحد أدنى على الراكب ونحو مائة راكب فوق بعضهم في وسيلة نقل واحد “وين صارت هي” يرسم ابتسامة تهكم صفراء ويشيح بوجهه عني!
احاول التقاط انفاسي المقطوعة جراء ضعف الأكسجة وأبخرة العرق المتصبب وزفرات أنفاس محشر الركاب، لأعقب وأرد الحجر الذي ضربني فيه جاري في الباص، لكن صراخ أحدهم يقاطعني شاكيا باكيا شاتما من سرق هاتفه الخلوي دون أن يعيره أحد اهتماما، كما الرجل المسن الذي لم يجد من يؤثره على نفسه من الجالسين الشباب على الكراسي، لهول ماهم فيه داخل الباص الذي شبهه أحدهم بعلبة السردين .
وقبل أن أنبس ببنت شفة، للتوضيح وجدت نفسي في موضع اتهام بسبب تقاعس الصحافة والإعلام كسلطة رابعة عن أخذ دورها في فضح الفساد الداخلي المستشري وضعاف النفوس وبترهم من المجتمع المثقل بالهموم والأعباء المعيشية، وانهالت علي الاصوات من كل حدب وصوب وكأنها راجمات صبت تساؤلاتها المكبوتة فوق رأسي: لماذا عاد تجار الأمبيرات بالتفرعن من جديد بسبب زيادة التقنين ليصبح المواطن متوجسا من الواقع الكهربائي وعدم استقراره وبالتالي عدم التجرؤ على الغاء الاشتراك بالأمبيرات، وماذا عن الرواتب التي لا تكفي لتغطية مصاريف المواصلات أو خرجية طالب جامعي، وكيف يتم استخراج بطاقة ذكية بدل ضائع مع التعقيدات القائمة، وعدم العدالة في حرمان البعض من المواد المدعومة بسبب الخلل في الآلية المتبعة، استخراج جواز السفر أصعب من السفر مشيا إلى الصين، ومرضى السرطان في مرحلة العلاج الإشعاعي يطالبون بإنشاء مركز بحلب بسبب التكلفة الباهظة للسفر والإقامة خارج حلب، ارتفاع ٱجارات البيوت، و الأسعار وشح الماء في بعض المناطق وووووو..!!!!!!
استجمعت وعيي الغائب، وقمت بهجمة مرتدة شرحت من خلالها لمحشر الركاب وضع الصحفي الذي يقتصر دوره على تسليط الضوء وطرح الحلول فقط والمعالجة على المسؤول، وهو ما نجتهد به والزملاء الملتزمين بالرسالة المهنية، رغم المعاناة والصعوبات والدخل المتواضع التي شرحتها بصورة نلت معها تعاطف الغالبية ودعواتهم بأن يفرج الله على معشر الصحفيين، وتحديدا في الصحافة المكتوبة، وهنا حققت هدفي من خلال الجمل التكتيكية التي وصلت معها لمرمى المواطن المعتّر الذي انهكه الحصار وفساد بعض المفاصل الادارية والأوضاع المعيشية القاهرة؛ وغادرت الباص بسلامة لأتوجه إلى حفل الاستقبال وأعيّد مع زملائي بسلام ..رغم أن طلعة الباص حولتني إلى صحفي أشعث أغبر بلاهيبة.!!
وكل عام والصحفيين السوريين بألف خير