صعوبات ومعوقات إنتاج الكتاب وتداعياته على الحركة الثقافية – مديرة دار دلمون الجديدة للطباعة والنشر: ضرورة تبني مشروع ثقافي ناهض يسهم في التصدي للاستهداف الذي نتعرض له

الجماهير || بيانكا ماضيّة

” الواقع الذي فرضته الحرب بفعل الضغوطات الاقتصادية، وكذلك الحصار، كان له تداعياته على سوق الكتاب، فمع ارتفاع سعر التكلفة وقلة الموارد أو الجدوى الاقتصادية، لم يعد الكتاب أولوية بالنسبة للمواطن الذي يسعى وراء لقمة عيشه “.

بهذه الكلمات وصفت مديرة دار دلمون الجديدة للطباعة والنشر ومركزها دمشق عفراء هدبا واقع الكتاب وتداعيات الحرب على رواجه  .

“الجماهير” استثمرت فرصة اللقاء بالسيدة هدبا لتحدثنا عن الخط الوطني الذي انتهجته الدار مذ بداية انطلاقتها، فقالت:

كانت الدار ومازالت حاضرة بمشروعها الثقافي اللافت الذي تم من خلاله طباعة العديد من الكتب لمفكّرين ومؤلفين وكتّاب وشعراء سوريين وأجانب ساهموا في إثراء الثقافة السورية، ومن خلال إقامة العديد من النشاطات والفعاليات الثقافية التي سلطت الضوء على جهود مفكرين ومناضلين كانت لهم بصمتهم في الحياة الثقافية والسياسية والفنية.

و لعل المرحلة الزمنية التي شهدت انطلاقة الدار في عالم الطباعة والنشر، قد أملت عليها أن تنتهج هذا الخط الذي يشكل أحد ثوابتها التي لايمكن أن تحيد عنه، وربما في اسمها المشتق من أحد رموز حضارة بلاد مابين النهرين مايشير إلى ذلك، ولم يتم اختيار هذا الاسم اعتباطياً، بل جاء منسجماً مع نهجها الذي اختطته لنفسها، والذي يؤكد على الأصالة والالتزام بالقيم التي قامت عليها حضارتنا، وضرورة استنهاض رموزها وإحياء تراثها، ولا نخفي أن انطلاق دار دلمون الجديدة في خضم الحرب الدائرة على سورية، قد وضعنا أمام مسؤوليتنا الوطنية في تبني مشروع ثقافي ناهض يسهم في التصدي  للاستهداف الذي تتعرض له بلادنا من خلال الغزو الثقافي والاستلاب الممنهج لعقول أبنائنا عبر نشر فكر ظلامي يهدف إلى هدم منظومة القيم التي نشأنا عليها، والتي تقوم على الفهم العميق للأديان التي كانت مهداً لها وحاضناً لما تحمل من معاني المحبة والتسامح والعيش المشترك والسلام بأجمل معانيه.

كل هذه المعطيات ساهمت في وضعنا على الطريق الصحيح لنكمل مسيرة الحضارة متسلّحين بالفكر التنويري وقوة الكلمة، ولا نصبو في ذلك لشيء سوى المصداقية والحقيقة كعنوان عريض لآلية عملنا ، التي تستقبل كل منتج ثقافي مبدع يلامس روح القارئ ويستهدف عقله، وعناويننا التي صدرناها تأليفاً وترجمة وسيراً ذاتية تحدث عن نفسها.

أما عن المعوقات ، فتقول عنها :

الحديث عن الصعوبات والمعوقات ربما نتشارك في طرحه مع الدور الأخرى والمؤسسات الثقافية التي تعمل على إنتاج الكتاب، فالواقع  الذي فرضته الحرب بفعل الضغوطات الاقتصادية، وكذلك الحصار، كان له تداعياته على سوق الكتاب، فمع ارتفاع سعر التكلفة وقلة الموارد أو الجدوى الاقتصادية، لم يعد الكتاب أولوية بالنسبة للمواطن الذي يسعى وراء لقمة عيشه، وهذا من العوامل المحبطة التي سعينا في دار دلمون لتجاوزها من خلال تقديم أسعار تشجيعية للقارئ والمؤلف على حساب نسبة ضئيلة من الأرباح لاتتجاوز في أحيان كثيرة سعر التكلفة، بالإضافة إلى ضرورة تعزيز الدعم الحكومي لدور النشر بتوفير المواد الأولية ودعم صناعة الكتاب كمنتج وطني يسهم في إنماء الفكر وتحصين المجتمع.

هذا باختصار عن أهم التحديات التي استطعنا تذليلها إيمانا منا بنبل الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها.

وكثيرة هي النشاطات التي أقامتها الدار أو اشتركت بها وهي تفخر وتعتز بها، وعن هذه النشاطات تقول هدبا:

تبنت دار دلمون خلال مسيرة السنوات الثماني من عمرها عدداً من الأنشطة والفعاليات المدرجة ضمن بنود مشروعها الثقافي الذي يسعى إلى تحفيز الأجيال الشابة ودعم مواهبها بمايسهم في إذكاء روح الإبداع وإيقاد شعلتها على الدوام، فأعلنّا عن مسابقات لجميع صنوف الأدب وقدمنا الجوائز العينية والطباعة المجانية للأعمال الفائزة، كما قمنا برعاية بعض الأنشطة لجمعيات أدبية ناهضة لنؤكد على أهمية هذه الشراكات الثقافية، بالإضافة إلى حفلات تكريم أقمناها على عاتقنا لرموز في النضال الوطني والفكر القومي والإبداع الأدبي، من سوريا والوطن العربي، وتبنّينا كذلك ترجمة العديد من المؤلفات الفكرية والسياسية لكتاب وصحفيين أجانب مناصرين لقضايانا الوطنية والقومية والإنسانية بالدرجة الأولى، خاصة مايتعلق منها بالحرب على سورية وتداعياتها..

ونذكر كتاب بروباغندا الحرب القذرة على سورية للصحفي الأسترالي تيم اندرسون وكتاب أصوات من سورية للكاتب مارك تاليانو وترجمه إلى العربية د. إبراهيم علوش وأ. بسمة قدور، ولاننسى في الحديث عن الأنشطة مشاركتنا في معرض الكتاب في سورية والوطن العربي رغم الظروف وعدم تحقيق الجدوى الاقتصادية التي لاتكاد تغطي تكاليف المشاركة، ولكن بهدف تشجيع عملية القراءة والمثاقفة بين دور النشر لن نتوقف عن تسويق الكتاب بالمعنى الفكري وليس المادي، والترويج له بأبهى صورة.

ولعل من أكثر الأنشطة التي نعتز بها في دار دلمون تكريمنا للأب الياس زحلاوي، كأحد أهم رموز الثقافة والفكر، وأحد أبرز المرجعيّات الروحية، وكذلك تكريم المطران المقاوم هيلاريون كبوجي، والمناضل العربي الفلسطيني أحمد جبريل، وكل من الشاعرين غسان مطر وفايز خضور مع طباعة السير الذاتية والأعمال الكاملة لجميع المذكورين من القامات الوطنية والقومية المبدعة في احتفاليات أقيمت خصيصا لهذه الغاية، وبحضور نوعي لشخصيات فكرية وثقافية وسياسية بارزة وجمهور وفي لدار دلمون مؤمن بمشروعها.

وعن رؤيتها لما تم تقديمه للدار للطباعة من قبل الشباب الكتاب، تقول:

مازالت محاولات الأدباء الشباب في طباعة أعمالهم خجولة بسبب الأعباء المادية المترتبة على ذلك، وعدم ثقتهم أحياناً بإمكانياتهم، ولكن نعمل بصدق على الأخذ بأيديهم ودعم مشاريعهم الثقافية وتأمين المظلة الداعمة لهم من شركائنا الذين يلتقون معنا بالأهداف.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار