- بقلم عبد الخالق قلعه جي
بين صفحة على مواقع التواصل وندوة على فضائية يتساءل معدون وكتاب، مذيعون وضيوف، عن جدوى الحديث الآن عن الثقافة، أدباً.. شعراً كان أم نثراً.. أو غناءً وموسيقا أو غير ذلك من ألوان الثقافة ومفرداتها.
يذهب كثيرون، إلى أن العناوين المعيشية والخدمية، وقد تصدرت ما عداها، فإن العناوين الأخرى التي تراجع حضورها، يمكن أن تصير مؤجلةً أو بفعل البرد مجمدةً أو ملغاةً.
كلٌ ربما هو على حق.. ولكلٍ وجهةٌ هو مُوليها، نحو ما يرتئيه أولوية هذه الأيام، ومعها عبارة تقول أهذا وقتها.. هناك ما هو أهم .. القضايا الضاغطة والملحة.
أقولها أنا، قبل أن يقولها لي أحد، وأعوذ بالله من كلمةِ أنا ومن كل من كانت له رسائل البدء و ما بعدها.
في الثمانين من عمرها .. وهي تمضغ لقمتها قالت يا ولدي:
البرد وراء كل علة …
اعتدلت في جلستي .. وضعت وجهي بين راحتي كفي .. لعلي اقترب أكثر محاولا فك طلاسم تلك الابتسامة الذكية الساخرة التي رسمتها تلك السنون على الشفاه والعيون منتظرةً جوابي.. فابتسمتْ
لقد عانت فأدركت، وأمسكت فخلصت.
قلت لها: حقيقة هو ذلك البرد اللعين، الذي كيف تنفست .. وحولك تلفتِّ، يصفعك ذلك اللافح بقسوة وبشاعة تغرز في أسمال وجدان مازالت تلملم بقايا دفء قبل أن يأتي الصقيع الجائر عليها.
ذات يوم .. وقبلها لابد لي من الاعتراف أمام الملأ بأني بلغت حد الوله بما أبدعه ذلك الكبير، عبر رياض ألحانه وموسيقاه السنباطية.
واحدة من القصائد الرائعة التي لحنها السنباطي وغناها بصوته، حملت عناوين لها عديدة: أين حبي.. العصفور والزهرة.. وذات يوم.
كنت أحلم أن أستمر مع سحر هذي القصيدة، إلا أن ذلك البرد القاتل أخذني إلى ذات يوم غير بعيد …
وهي تفتح روحها للحياة انطفأت غرقى في فتحة صرف بعد أن جرفتها سيول.. ليذوب قلبها موتاً عابراً رام صباها… فجناها ثم راح.
ينفض المولد ويمضي كل على غير هدى في سبيله.. ويمضي حجر الرحى ليجعل من ورقة رزنامته هذه أثراً بعد عين.
عذراً للناس قد نلتمس مع جديد كل يوم، على صعيد شؤونهم كافة.. رغيف خبز.. أسواق وأسعار، كدنا معها ننسى الأشواق والأشعار.. هموم يومية، معيشية وخدمية من كهرباء ومحروقات ونقل .. أخماس بأسداس تضرب .. وحساب السوق أمسك بخناق الصندوق وأطبق عليه بلا رحمةً ولا شفقة .
دوامة مرهقة حد الوجع حقيقة مع مطلع كل صباح.. برد في عمل منتظر يجب أن يكون.. وبرد آخر في الجيوب، ومعه ومعها ينحسر فعل الذاكرة، التي تضاءلت سعتها إلى اللحظة التي نعيش.. مثلها في ذلك، مثل الوجبات الجاهزة السريعة التي تنتظر المسح مع آخر رشفة من زجاجة الكولا السوداء.
إذا أومأت المحبة لكم فاتبعوها، وإن كانت دروبها متحدرة.. هكذا يقول جبران الذي نستأذنه لنستعير منه همسات في أذن قائمين على بعض المفاصل:
أهلكم وبلدكم في أعناقكم أمانة، عربونها عمل ينفع الناس ويمكث في الأرض ممزوجا بالمحبة :
أن تنسجوا الثوب بخيوط مسلولة من قلوبكم كما لو كان هذا الثوب سيرتديه من تحبون
أن تبنوا داراً كما لو كانت هذه الدار ستضم من تحبون
أن تغلقوا فتحات موت بكل العناية كما لو كانت هذه الفتحات سيمر فوقها من تحبون.
أن تعملوا للناس كل ما تستطيعون كما لو كنتم تعملون لمن تحبون
أن تحسنوا إدارة الأيام كما لو كان من ينتظر دفئاً أو وسيلة نقل أو بعض كهرباء أو من أثقلته هموم وأضنته آهات هو من تحبون
بعض محبة تزيح برداً أصاب ضمائراً، وتذيب صقيعاً أتى عند البعض على واجب وأمانة وعمل وعطاء، لأهلنا المحبين الطيبين الصابرين الآملين الأوفياء ..
بعض محبة تكفي لأنهم من هذا الوطن ومعه بكل حالاته وظروفه متفهمين ومقدرين لكل ما تعرض له وطننا الحبيب ومازال.
ذات أيام وفي أحلكها كنا نقول أملاً.. غدا حقيقة.. واليوم ومن جديد ورغم كل الألوان القاتمة.. الأمل فينا باق والثقة واليقين بالغد الأجمل.. نور وإشراق من بعد المغيب، ذات يوم قريب قريب إن شاء ا