بقلم الدكتور ربيع حسن كوكة
أنصفْ هُديتَ إذا ما كُنتَ مُنتصِفاً
لا ترضَ للناسِ شيئاً لستَ تَرضاهُ
لا تَحْقِرَنَّ من المعروفِ أصغَرَهُ
أحْسِنْ فعاقِبَةُ الإحسان حُسْناهُ
وكلُّ أمرٍ لهُ لا بُدَّ عاقبةً
وخيرُ أمرِكَ ما أَحْمَدْتَ عُقْباهُ
وكلُّ ذي أجلٍ يوماً سيبلُغُهُ
وكلُّ ذي عملٍ يوماً سيلقاهُ
أردتُ أن أبدَأ بأبيات أبي العتاهية لما ضمَّت من نُصحٍ تجاوز سائر العصور ليصل إلينا ونقتنص منه العِبرة.
في خضمِّ هذه الظروف التي يعيشها الناس في ربوع بلادي أصبح لزاماً علينا أن نذكّر أنفسنا نحن أبناء هذه الأمة العظيمة؛ أبناء هذه البلاد الطاهرة بخصالٍ ومزايا يتحلى بها الإنسان ليخرج من واقعٍ أليمٍ ثقيلٍ مزعج.
هذه الخصال التي لطالما بقيت في حيّز التنظير على صفحات الكُتب أو في قاعات المحاضرات ومجالس الوعظ ولم نرَ أثرها في واقعنا الـمُعاش إلا بشكلٍ نادر.ونأمل أن ننتقل بها من التنظير إلى الفعل.
ولعلَّ ذكر هذه الخصال وتعدادها يطول غير أنها تُختصر بمسمى واحد هو الإحسان الذي يعني في اللغة فعل ما هو حسن أو هو فعل ما ينبغي أن يُفعَل من الخير، وقد صدر تعريفه بمفهومه الشرعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سؤل عنه في حواره مع جبريل عليه السلام فقال: ( الإحسان أن تعبد الله كاًنك تراه، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك) متفق عليه.
ولا فرق بين مآل المعنى اللغوي والشرعي في هذا المصطلح إذ أن الفاعل عندما يعلم أن الله تعالى يراه فإنه سيفعل ما هو حسن؛ أي أن شعور المرء بالرقابة الإلهية سوف تدفعه إلى فعل الخير.
نعم فالمرء الذي يعلم باطلاع الله على أفعاله سيفعل الخير ليحظى برضا الخالق العظيم عز وجل؛ وأما إذا لم يهتم لتلك الرقابة الإلهية فنسيها أو تنكّر لها فإنه سيفعل ما يمليه عليه هواه وإن ابتعد به عن مسالك الخير وهوى به في غياهب السوء والضلال.
وفي دين الإسلام الحنيف نرى توالي مراتب الترقي في الفضيلة والخير على ثلاثة مقامات هي: الإسلام والإيمان والإحسان. وعلى ذلك فالإحسان جزء من عقيدة المسلم، كما دل عليه حديث جبريل وهو متفق عليه فقد سأل جبريل عليه السلام عن هذه الثلاثة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذا جبريل أتاكم ليعلمكم أمر دينكم) فسمى الثلاثة ديناً. وقد أوضحت السنة النبوية الشريفة أن الإحسان كالروح يجب أن يسرى فى كل أمور المسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شئ..) رواه مسلم.
فالإحسان مطلوب في العبادات وفي المعاملات على حدٍّ سواء، هو مطلوبٌ في الحرب وفي السلم، في الحب وفي الكره، الإحسان مطلوب مع الحبيب والبغيض؛ مع العدو والصديق؛ مع القريب والبعيد.
هذا المعنى يشرح لنا يا بني وطني تُجاراً ومسؤولين، أن الله مطّلعٌ على سائر أفعالكم وهو سوف يحاسبكم عليها في الدنيا قبل الآخرة إن خيراً فخير أو شرّاً فشر.
فلتكن أفعالنا حسنة، ولتكن نوايانا حسنة لأن الله تعالى مُطّلع عليها قال تعالى: { وَهُوَ مَعَكم أَيْنَما كُنْتُم } [سورة الحديد:4]
فلنكن أهلاً لتلك المعيّة الإلهية، ولنحترم وجود الإله العظيم معنا واطّلاعه على أفعالنا؛ فإن فعلنا ذلك ستُشرقُ بإحساننا وتسامحنا جنبات الكون الأربعة وكأني بهاتف السماء يهتف بنا:
ولئن أساء فقد غفرتُ ذنوبَهُ
لعظيم ما أسدى من الإحسانِ
بإمكانكم متابعة آخر الأخبار و التطورات على قناتنا في تلغرام