غداً ستشرقُ الشمس

بقلم الدكتور ربيع حسن كوكة

ستشرقُ الشمسُ مهما سادت الظُلَمُ

وفي الحياة سيعلو للرخا علمُ

كلُّ الشدائدِ -إن حققتَ – زائلة

تأتي فيدفعها من ربّنا كَرَمُ

 

كثيراً ما تناقل الناس أحاديث الشدَّة والفَرج، التعب والراحة، المرض والعافية، وكثيراً ما رددوا أنه لولا أحدهما لما وُجد الآخر. نعم لولا الظُلمة لما عُرف النور، ولولا المشقَّة لما ميّزنا اليُسر، ولولا الحزن لما برق السرور.

إن ما يمرُّ بنا من حوادث في هذه الأيام وما نشهده من ضغطٍ مستمرٍّ على بلادنا الحبيبة وشعبنا العظيم، وما يعتصرُ قلوبنا من حُزنٍ وألم؛ كلّ ذلك يدفعنا إلى الدعوة للصبر؛  ذلك  الصبر الذي سيأتي من بعده الفرج بإذن الله تعالى؛ قال تعالى: {وبشّر الصابرين} [البقرة:155] فبعد الصبر تأتي البِشارة بالنَّصر، وكم من أزمةٍ مرّت على البشر ثم زالت عنهم، وكم من نارٍ سُعّرت وعلا لهيبها ثم خَبت بعد ذلك وانطفأت، وهذا الكلام ليس تنظيراً وإنما هو عينُ الحقيقة ولعلَّ أصدق من أخبر به وأشار إليه ربنا سبحانه في القرآن الكريم حيث نقرأ قوله: {سيجعل الله بعد عُسرٍ يُسرا} [ الطلاق:7]، إذاً فاليُسر والفرج والرخاء قادمٌ لا محالة بعد العُسر والشدَّة بمنطوق القرآن الكريم الذي هو كلام الله، لا مجال فيه للشك أو الريبة.

 

وورد أنه عندما نزل قوله تعالى:{إنَّ مع العسر يُسرا*إنَّ مع العسر يُسرا}[الانشراح:5-6] قال النبي صلى الله عليه وسلم:(أبشروا فلن يغلب عُسرٌ يُسْرَيْن) رواه البيهقي في الشعب. وقال صلى الله عليه وسلَّم أيضاً: (لو دخل العُسْرُ جُحْراً لدخل اليُسر حتى يخرجه فيغلبه، فلا ينتظر الفقير إلا اليسر، ولا المبتلى إلا العافية) رواه الطبراني.

 

وفيما يخصُّ حديثنا تحضرني قصة الملك ناصر الدولة الحمداني الذي اشتكى ذات يومٍ من ألم شديدٍ في بطنه ما يُسمى بلغة الطب في زمنه (القولنج) – القولون- وقد طال به الأمد حتى أعيى الأطباء ولم يجدوا له شفاء؛ وملَّه أعوانه وحاشيته فتآمروا على قتله وكلّفوا رجلاً للقيام بهذه المهمّة، فوقف ذلك الرجل في أحد ممرات القصر حتى إذا مرَّ ناصرُ الدولة وثب عليه ذلك الرجل وطعنه بخنجره، فجاءت الطَّعنة بتقدير الله تعالى مكان الألم ولم تُخطئه، وفرَّ الرجل هارباً ظناً منه أنه نفَّذ المهمَّة، غير أن الملك حظي بإسعافاتٍ أولية لجرحه الذي نزف وخرج منه مع الدماء كلُّ الأخلاط التي كانت تُسبب ذلك الألم، وسرعان ما تماثل للشفاء وعاد إلى قوّته وهيبته.

واستبدل الله تعالى بألمه وعُسرِه وبلائه شِفاءً ويُسراً ومُعافاةً.

ولله درُّ أبي العتاهية حين قال:

هي الأيام والغِيَرُ

وأمرُ اللهِ يُنتَظَرُ

أتيأسُ أن ترى فَرَجاً

فأين اللهُ والقدرُ

 

ولعلَّ العبرة التي يمكن أن تُقتنص من حكاية ناصر الدولة أن الفَرج والنصر قد يقبعُ في تفاصيل الضيق والشدَّة، وربَّما كان الخير في أمورٍ نكره حدوثها؛ أما قال ربّنا سبحانه: { وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم؛ وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌّ لكم؛ والله يعلم وأنتم لا تعلمون}[البقرة:216].

 

إن تقدير الله تعالى أكبر بكثير من الصورة التي نراها على أرض الواقع؛ إن ما نعلم هو جزء من الحقيقة وليس الحقيقة كلها؛ وإن ما نرى جزء صغير من الصورة الكاملة، …

فكل الأزمات لا شكَّ أنها مهما طال أمدها فإلى انحسار، ولن يصحَّ إلا الصحيح؛ ولن تكون في نهاية المطاف إلا إرادة الله سبحانه؛ فأحرى بنا أن نطيب بالله نَفْساً، ولنسعى في وطننا بناءً وإصلاحاً، وفي حياتنا إيماناً وأماناً، ولنغرس ذلك في القلوب والعقول قناعةً لا تغيرها الأزمات، ولا تمحوها الـمِحن، فمهما طال أمدُ الليل سوف يبددُ عتمته إشراق الشمس الساطعة.

 

اللهمَّ خذ بيد الوطن وأبناءه إلى السلام والأمان والرفعة والعدل والاطمئنان، واصرف السوء والأذى عن بلادنا يا ربّ العالمين.

 

بإمكانكم متابعة آخر الأخبار و التطورات على قناتنا في تلغرام

https://t.me/jamaheer

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار