* بقلم الدكتور ربيع حسن كوكة *
بعد أن ضرب الزلزال بلادنا العظيمة المباركة الحبيبة بدأت بعض الأحاديث تتردد بين الناس هنا وهناك، فمنهم من يقول: هذا الذي حل بنا من ذنوبنا، ومنهم من يقول بلهجةٍ حلبيةٍ مُحببة: “فوق الموت عصّة قبر” ومنهم من يقوم لا بجلد الذات بل بجلد المجتمع واستثناء نفسه بكلّ صلفٍ وتزمتٍ وصفاقة.
والحقيقة أن كل إنسانٍ يعلم ما قدّم من الأفعال، وربنا تبارك وتعالى أرحم بهذه الأمة من بعض ظنون المتزمتين وهو تبارك وتعالى يبتلي عباده بالسراء والضراء، وبالشدة والرخاء،
فقد يبتليهم بها لرفع درجاتهم وإعلاء ذكرهم ومضاعفة حسناتهم كما يفعل بالأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- والصلحاء من عباد الله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)
وقد يبتليهم سبحانه بسبب الذنوب، فتكون العقوبة معجلة كما قال سبحانه: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ )[الشورى:30].
فإذا ابتلي اللهُ تبارك وتعالى أحد من عباد الله الصالحين بشيء من الأمراض أو الأخطار ونحوها فإن هذا يكون من جنس ابتلاء الأنبياء والرسل رفعًا في الدرجات وتعظيمًا للأجور، وليكون قدوة لغيره في الصبر والاحتساب.
إذاً قد يكون البلاء لرفع الدرجات وإعظام الأجور كما يفعل الله بالأنبياء وبعض الأخيار، وقد يكون لتكفير السيئات كما في قوله تعالى: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِه) [النساء:123] وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما أصاب المسلم من هم ولا غم ولا نصب ولا وصب ولا حزن ولا أذى إلا كفر الله به من خطاياه حتى الشوكة يشاكها) وقوله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يصب منه)
وقد يكون ذلك عقوبة معجلة بسبب المعاصي وعدم المبادرة للتوبة كما في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة) أخرجه الترمذي.
ونحن في بلادنا المباركة وبعد ما زاد على عقدٍ من زمان الصبر على البلاء وتكالب الأعداء، نظن أن هذا الزلزال ابتلاء من الله تعالى جاء رفعاً للمقام وتغييراً للحال وفتحاً لأبوابٍ من الخيرات كانت موصدةً بأيدي الطواغيت والظلمة ممن فرض الحصار على شعبنا العظيم الذي هو بضميره الجمعي وكُليته المباركة أقرب إلى القداسة وحياة القديسين والأولياء والصالحين، ولتسكت ألسنة الذين يضعون أنفسهم بمقام المحاسبين الأخرويين ولتنطق ألسنة المُيسرين المبشرين الراحمين الذين يبلسمون الجراح ائتماراً بأمر الله سبحانه: (وقولوا للناس حسنا)، وبقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أوليصمت)
نعم يا كل أبناء حلب يا كل أبناء وطني سورية، ظني بالله أنه بهذا الزلزال قد ابتلى ليرفع المقام وأنتم الصابرون وأنتم الصالحون، وأنتم المرابطون.