الطمأنينة روح حياتنا

بقلم الدكتور ربيع حسن كوكة

{ألا بذكر الله تطمئن القلوب} آية عظيمة تُرشدُنا إلى روح حياة القلوب، ودرب النجاة من كل الكروب.

إنها الطمأنينة تلك التي تُرسي سكينةً في القلوب، تسكن في الأعماق، وتنداحُ في الآفاق، تَظهرُ في الملامح، ومكانها القلبُ الصالح.

إنها روحٌ بالله آمنة، تجول في عوالم الملكوت، ونفسٌ بعطائه ساكنة، تتفكّر في مظاهرِ الجبروت، هي عنوان حياة المُحسنين، وصفحاتُ أيام المؤمنين، آثارها نور، ووجودها سرور.

مواقف كثيرة نشهدها في سير الأنبياء والأصفياء تجسد لنا حالة الطمأنينة التي عاشوها في بؤرة الأخطار والمكاره ورغم الكروب والشدائد منها:

تلك الطمأنينة والسَّكِينَة التي نزلت على نبي الله سيدنا إبراهيم عليه السلام حين أُلقي في النار.

وكذلك الطمأنينة التي علمنا إياها سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الغار في يوم هجرته كما ذكر القرآن في قوله تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} [سورة التوبة الآية[40]

مواقف ومواقف… معركة بدر، ويوم حُنين، ويوم الخندَّق وغيرها كثير.

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرسي في الأمة هذا المعنى العظيم من ذلك  قوله صلى الله عليه وسلم: (يَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا، وسَكِّنُوا ولا تُنَفِّرُوا) رواه البخاري.

حتى وإن كانت ذلك في السعي لأداء العبادة، إذ أن تعليم الإنسان الطمأنينة والسكينة بصفة يومية عند سعيه للصلاة، سيجعلها ملازمة لحركته في الحياة، فقد قال صلى الله عليه وسلم:( إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا ) رواه البخاري.

وأعظم أسباب الطمأنينة  الإيمان بالله سبحانه، والإيمان بما يُجري على الإنسان من قضاءٍ وقدر، واليقين بأن جميع ما يكون في هذه الدنيا من ابتلاءات وجميع ما يحدث من أحداث لا يمكن أن تمسنا بمكروه إلا بالقدر الذي أراده الله تعالى، وهو بإرادته فينا رؤوف رحيم لطيفٌ بالعباد. أي أن تلك الزلازل لن تملك أن تفعل بنا إلا ما أراده الله تعالى، فلا يموت من يموت إلا بأمره ولا يحيى الأحياء إلا بإرادته.

هذه الثقة بالله والطمأنينة لإرادته تجعلنا نواجه الشدائد بثبات، وهي لا تتحقق إلا من خلال الإيمان بالله تعالى،

الذي يحتاجه القلب أثناء تلك الكوارث فيمنحه قوةً وثباتاً يبدأ من القلب وينساب إلى جميع الجوارح، فيضفي على حركة الإنسان قدراً من الوقار والبعد عن التوتر والقلق.

إن ما يعيشه الناس في هذه الأيام من قلق وخوف بسبب الزلزال وهزاته الارتدادية وما رافقه من كروب وويلات اقتصادية يُظهرُ بوضوحٍ مدى الآلام النفسية في المجتمع، والتي أنتجت هلعاً وقلقاً كبيرين في نفوسٍ هي في الأصل منذ ما يزيد على عقد من الزمان تعيش في عتبات الخوف وتحتضن الآلام جراء ما حل في بلادنا من ويلات.

ولعل من أكبر الأخطاء التي يرتكبها المجتمع في زمن الكوارث  أنه يحاول علاج الأمراض الجسدية دون ربطها بلواعج النفس.

والحقيقة أن النفس تحتاج إلى العلاج تماماً كالجسد.

إنها تحتاج إلى طمأنينةً تخالط القلوب وتسير في العروق لتمنح الروح للحياة.

فما اعظمها من علاج للآلام، وما أحوجنا إليها في هذه الأيام. فيا ربنا ازرع الطمأنينة في القلوب وأعد علينا عوائد لطفك وكرمك وإحسانك.

بإمكانكم متابعة آخر الأخبار و التطورات على قناتنا في تلغرام

https://t.me/jamaheer

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار