كيــــلا يصــــبحُ الحبُ خَبَــــراً

كيــــلا يصــــبحُ الحبُ خَبَــــراً

   بقلم عبد الخالق قلعه جي

رسائل غالية كثيرة، عبر الواتس وصلتني مع حلول شهر رمضان المبارك، ولعله هذا العام يحمل الكثير من الأمل والرجاء بأن يكون خلاصاً لآلام وأوجاع قريبة وأخرى ناءت بحملها سنوات طويلات عجاف.

 في معظمها كانت الرسائل صوراً جاهزةً تخص رمضان الكريم من حيث الدلالة أو العبارة التي حملتها.. أخذتني الرسائل هذه إلى تلك الظاهرة المستجدة التي تحولت إلى نمط في السلوك وتغير في شكل التواصل والذي ألقى بآثاره الإنترنتية العنكبوتية على قوام العلاقات العائلية والاجتماعية بمختلف دوائرها القريبة والبعيدة.

آراء كثيرة تقول بضرورة مجاراة التقنيات الحديثة ومواكبتها والاستفادة من ميزاتها وخدماتها التي تتسابق كل يوم في سبيل تقديم المزيد منها وبشكل مجاني كما لو أنها وصية الطائي حاتم لورثته نحن المستحقين.

المتتبع للجديد الاجتماعي لشريحة الأطفال واليافعين يجد أن فطرةً طارئة بدأت تأخذ طريقها إلى دواخل هذي الشريحة لتكون المحرك لسلوكياتهم المفعمة بالطاقة المرعبة أحياناً بحيث يتم التحلل شيئاً فشيئاً من عادات وتقاليد وأولويات تربوية واجتماعية كانت الضمان لهذا الرابط الجميل الذي نعتز به ونفاخر.

منذ سنوات غير قريبة، جُعِلَ من رمضان موسماً مهرجانياً للمسلسلات الدرامية الجديدة، عبر كمّ ٍ كبير منها على مدار الساعة يضخ في فضائيات ومنصات اجتماعية بعد أن رُوِّج لها قبلاً بطرقٍ احترافية مثيرة ومشوقة.

مقولة العمل في الإنتاج الدرامي عموماً، أسقطت مقولة “رأس المال جبان” إذ يُسَخَّر لأعمال كثيرة أرصدة مفتوحة ويُحشد لها أسماء كبيرة من نجوم، تحت عناوين براقة، تنفذها تقنيات بصرية مبهرة.

على مختلف تصنيفاتها فإن بعضاً من هذه الأعمال يلعب على أوتار رغبات مكبوتة وأخرى على نزعات مقيتة تتخفى وراء زيف تاريخ وثالثة على بيئة، وغيرها من أعمال، – في غفلة منا – شقت بمكر ودهاء طريقها رويداً رويداً إلى البعض غير القليل الذي أغرته وجباتها الشهية الدسمة فابتلع السم والتقطته السنارة.

لا وقت لديها تضيعه تلك الغرف السوداء البعيدة التي تلقي بأوراق رزنامتها.. الواحدة تلو الأخرى وفق برمجة دقيقة متكاملة فائقة الشيطنة، تنتقل فيها من عنوان لآخر لتأتي على منظومة قيم ومبادئ وأخلاق حفظت الفرد والأسرة والمجتمع ولتحل محلها أخرى بمفردات ومصطلحات.. تسوق لأفكار غريبة بغيضة وتروج لحالات دنيئة وتعوم لعلاقات مريبة، تستبيح معها المحرمات وتكسر كل الخطوط الحمراء، لينفرط عقد المجتمع ويقع فريسة سهلة ولقمة سائغة تمهد لاستلاب أبنائه وتقويض أركانه من الداخل وتفتيت بنيانه   واصابته في مقتل.

عندما نتحدث عن الموروث بشكل عام من عادات وتقاليد فإننا نقول بالنبيلة والجميلة والحضارية والتي تشكل صمام أمان، ولأن التَفَلُّتَ منها جوهراً سيودي بنا إلى فقدان الوعي لأهمية التراث وتقدير قيمته ومن ثم اسسترخاصه والتفريط فيه.

ليست المشكلة في الرسائل الجاهزة بحد ذاتها ولا في الهامبرغر.. لا في قَصَّة شعر أو شكل بنطال ولا في لون موسيقا وأغان وليست هي في فكر ورأي مختلف إنما في تبدل سلالم الأوليات والأولويات وتهميش الخصوصية والانسلاخ المريع عن الجذور وحوامل الموروث وتقطيع خيوطه، لتُهدَم بذلك جسور وتضيع هُوية وينتهي المطاف بريشةً في مهب ريح.

إذا كنا نتحدث عن عادات وتقاليد فإن رمضان يكتنز الكثير منها، خاصة في المدينة القديمة التي أنبتت هذا الموروث وسقته مئات من السنين صورةً وتعبيراً عن فلسفة العيش وأنماط الحياة التي تمور في جنباتها.

كما هو حال بعض الأبنية الأثرية داخل المدينة القديمة التي تصدعت والأخرى المصنفة أثرية خارج السور وأصبحت آيلةً تنتظر يداً تحميها من السقوط، فإن كثيراً من أعمدة الموروث وجسوره تصدعت هي الأخرى، وأصبحت آيلة للسقوط ومنتظرةً ذات اليد.. عساها لا تمسي أثراً بعد عين.

همسة وجع نرفعها من غير أن نبصم بالتعميم، ودون أن ننسى باقات من أبناء بلدي.. أولئك الذين يشرق الأمل في عيونهم ممن حملوا الأصالة والمحبة وصيروها مبادرات ومشاريع عمل وفعلاً نبيلاً، يحفظ التراث ويبقي على جسر ينقلنا إلى ضفة الغد الآمن المطمئن إن شاء الله.

لا وقوفاً عليها، لنشرب على أطلالها ونُسقَى، ولا لنغفو بعد سهر، إلا لنذكر العهد ونصحو.. كيلا يصبح الحب خبراً، والهوى صرحاً من خيال ووهم فهوى.

بإمكانكم متابعة آخر الأخبار و التطورات على قناتنا في تلغرام

https://t.me/jamaheer

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار