بيانكا ماضيّة
وللحرية الحمراء باب..، وكانت الأبواب كثيرة إذ دقّها مجاهدو سورية عبر ثوراتهم الشاملة لأرض سورية، معلنين مقاومتهم للمحتل الفرنسي، متسلّحين بإيمانهم بوحدة الأرض وشعبها، رافضين كل حواجز التقسيم والتجزئة، وهل ينجلي المستعمر عن البلاد بدون مقاومة مسلّحة؟
الشيخ صالح العلي، وإبراهيم هنانو، وسلطان باشا الأطرش، ومصطفى حاج حسين، والشيخ عمر البيطار، وأسماء كثيرة ربما لم تنل حقها من تسليط الضوء عليها بعد، فنحن وإذ نقرأ هذا التاريخ المجيد لسورية، الذي شكل منعطفاً تاريخياً وحدثاً تأسيسياً لمعنى المقاومة والوحدة لدحر المحتل، تطالعنا أسماء عديدة كان لها من البطولات ما ينبغي التركيز عليه في غير ميدان، وهو ما يحتاج بلا شك إلى البحث في تاريخ هذه الثورات التي قامت لمقارعة المحتل الفرنسي لسورية، لا لإعادة أمجادها وما سطرته من ملاحم في تلك الحقبة وحسب، وإنما للعمل عليها ثقافياً وفنياً وإعلامياً؛ لإبراز أهمية وحدة أبناء سورية بلا تمييز، وعلى اختلاف انتماءاتهم ومناطقهم، وتكاتفهم وتعاضدهم يداً واحدة من أجل طرد المحتل الفرنسي.
هذه الصورة المشرفة لتلك الثورات السورية التي انطلقت من الشمال والجنوب والشرق والغرب، وقام بها الشعب العربي السوري في مختلف المدن والأرياف ضد قوات الانتداب الفرنسي بين عامي 1920 و1928، حاول المستعمر الفرنسي تشويهها آنذاك بإطلاق صفة الطائفية عليها، أو عزوها لأسباب شخصية قام بها أولئك الثوار، فكان أن لفقت استخبارات المستعمر الفرنسي هذه الأسباب لتشويه الصورة الناصعة لتلك الثورات، كعادة المحتل في كل زمان ومكان، وذلك للإساءة إلى هذه الثورات ولتشويه صورة الأبطال الذين قادوها، في الوقت الذي يرد على تلك التلفيقات، ماكان من مواقف هؤلاء الثوار، ومنهم إبراهيم هنانو وصالح العلي وفوزي القاوقجي – كما تخبرنا أدبيات الثورات السورية- إذ عرضت عليهم القيادة الفرنسية مناصب حكام في المناطق التي كانوا يقودون الثورة فيها مقابل إنهاء ثوراتهم، إلا أن من يقود الثورات لطرد المحتل الغاصب لن يقبل بهذه العروض التافهة؛ لأن الهدف أنقى وأشرف، لذلك سيعرض عنها بكل كبرياء وشموخ، وهذا ماكان.
وما أشبه اليوم بالأمس، دماء أريقت لأجل خلاص هذا الوطن من نير محتل غاشم، وبكل يدٍ مضرجة دقت أبواب الحرية، الحرية الحقيقية التي تعني خلاصاً من محتل غربي يسرق وينهب ثروات البلاد، ويعيث خراباً وقتلاً وتدميراً، لا الحرية التي تأتي على ظهور الدبابات، فالبطولات التي سطرها الجيش العربي السوري في الحرب على سورية، أبرزت الهوية الوطنية السورية الجامعة، هذه الهوية التي يجب أن يتم تسليط الضوء عليها في غير ميدان من ميادين الثقافة والفن والأدب لأجل القضاء على كل تشويه طال ويطول أيّة مقاومة ضد المستعمر، ولأجل أن تكون هدفاً لكل من ضل الطريق.
هو عيد الجلاء الذي يفخر كل سوري بانتمائه إلى هذه الأرض بنصاعته، وهو عيد نتطلع إليه مجدداً لإجلاء كل قدم غريبة وطئت هذه الأرض السورية لسرقتها ونهبها وقتل أهلها، ملتفين حول قائد هذا الوطن السيد الرئيس بشار الأسد، للاحتفال بالجلاء الأكبر، حينها يكون الاحتفال بالجلاء احتفالاً بنصر مؤزر دفع الشعب دمه وروحه من أجل استرداد كرامته وأرضه.
رحم الله شهداء وطننا الأبرار في كل زمان ومكان، وطوبى لأبناء أمة يقدمون الأرواح والأجساد دفاعاً عن شرفها وأرضها وتراثها وحضارتها.