بيانكا ماضيّة
بصوتها الخارج من أعماقها، بصوتها الذي يتغلغل في المسام، وبكثير من إنصات لأبعاد ومعاني الكلمات التي تسمعني إياها بعدما دوّنتها بأناملها مخاطبة من خلالها (بنيان) ابنها الشهيد، مخاطبة الوطن.
تلك الأسطر والحروف التي طالبتها بها لتكون خاصة بجريدة الجماهير، ولتكون على حلقات، رغبت أم الشهيد السيدة سهيلة العجي، وهي تلبي هذه الدعوة للكتابة، أن تسمعني كلماتها بصوتها، ومضت تقرأ عن بنيان ومضت دموعي معها، فكلما ذكرت ابنها بنيان، أحد شهداء مشفى الكندي الأحد عشر الذين اغتالتهم يد الإجرام الوحشي، أتخيّله ورفاقه الشهداء، ونظرات كل واحد منهم، ومونولوجه الداخلي في اللحظات الأخيرة، لقد كانوا أساطير، قدّيسين، جسدوا آلام السيد المسيح بمسيرتهم نحو الشهادة، كانت كؤوس دمهم تظفر بعهد جديد، أريق الدم لأجل الخلاص ولأجل أن يكون فجر سورية.. أتذكر وجوههم وكل حرف كتبته عنهم حين استشهادهم وحين كنت أغص بالحروف، بالشهقات.. لم يكن بنيان وكل شهيد روى دمه أرض سورية إلا أخاً لنا فقدناه..
فقدتكم سورية يا أبطالها ونحن في اللحظات الأخيرة من الحرب، ولكن دماءكم الطاهرة التي روت هذا التراب، لم تثمر إلا نصراً أردتموه.. أرواحكم معنا لا تتركنا، فطوبى لكم الشهادة ولتفرح أرواحكم بهذا النصر، وأعان الله كل أم شهيد وصبّر قلبها وعزّاها، وقلبك يا أم بنيان التي أسميت هذا الوطن باسم ابنك، فكان بنياناً شاهقاً يطاول عنان السماء.
لم ينس السوريون قط كل شهيد مضى حاملاً أوجاع وطنه، حاملاً صليب الخلاص، أولئك الشهداء الذين لولا دماؤهم الطاهرة لما بتنا على قيد الحياة، قدموا أرواحهم لخلاصنا فنهضت من قبورهم شقائق نعمان ملأت ساحة الوطن عشقاً وحباً وعطاء.
بإمكانكم متابعة آخر الأخبار و التطورات على قناتنا في تلغرام