*ثقافة الصيف والحر الشديد*

بقلم الدكتور ربيع حسن كوكة

 

ما أُحيلا الصيف ما أكرمه..

ملأ الدنيا رخاءً ورفاها

عندما ردّ إلى الأرض الصّبا

ردّ أحلامي التي الدهر طواها

 

هما بيتان من قصيدة ربما كُنتُ أوافق فيها ناظمها الشاعر الكبير إيليّا أبو ماضي فيما نسج من شعر حول الصيف، وكان ذلك قديماً قبل اجتياحات الهموم، وتوالي الأزمات ولكني أتوقف عن الموافقة في هذه الأيام؛ إذ تتوالى ارتفاعات درجات الحرارة في بلادنا الحبيبة تماشياً مع ارتفاعات الأسعار جراء الحصار ومفرزاته، وأمام هذا الواقع كان لا بدّ لنا أن نتحدث حديثاً يخفف من حدة تلك الارتفاعات ذلك الحديث الذي يعتمد في ألف بائه على الإيمان الشديد بالعدالة الإلهية.

لا شك أن شدةُ الحر مؤذيةٌ لجميع المخلوقات تماماً كشدة البرد، وحرارة الشمس وتزايد درجات الحرارة يجعل الأحياء تبحث عن ظلٍّ يقي حرها، أو ماءٍ بارد يخفف لهبها؛ ولذا كان من كمالِ نعيمِ أهل الجنة أنهم لا يجدون الحر، ولا يرون الشمس، كما لا يجدون شدة البرد، فهم في ظل دائم، واعتدال في الهواء، لا حارٌّ يلفح، ولا باردٌ يلسع قال تعالى: ﴿ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا ﴾ [النساء: 57]،

وقال سبحانه : ﴿ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا﴾ [الإنسان: 13]

وقد وردت إرشاداتٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الأوقات منها قوله صلى الله عليه وسلم:(إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم) ومعنى أبردوا عن الصلاة، أى: أخروا صلاة الظهر عن أول وقتها حتى تنكسر شدة الحر الذى يكون من أسباب التشويش على المصلى وقلة الخشوع، كما ذكر أهل العلم.

كما جاء فى الحديث الصحيح الذى رواه البخاري رحمه الله: (قالت النار: ربِ أكل بعضي بعضاً، فائذن لي أن أتنفس، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فما وجدتم من برد أو زمهرير فمن نفس جهنم، وما وجدتم من حر أو من حرور فمن نفس جهنم) رواه البخاري

على أن شدة الحر لها أثر طيبٌ في موازين الأعمال إذا استقبلها المرء وفق الإرشادات النبوية فقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ( إِذَا كَانَ يَوْمٌ حَارٌّ فَقَالَ الرَّجُلُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، مَا أَشَدَّ حَرَّ هَذَا الْيَوْمِ ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجَهَنَّمَ : إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي اسْتَجَارَ بِي مِنْ حَرِّكِ ، فَاشْهَدِي أَنِّي أَجَرْتُهُ .

وَإِنْ كَانَ يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، مَا أَشَدَّ بَرْدَ هَذَا الْيَوْمِ ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ زَمْهَرِيرِ جَهَنَّمَ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجَهَنَّمَ : إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي قَدِ اسْتَجَارَنِي مِنْ زَمْهَرِيرِكِ ، وَإِنِّي أُشْهِدُكِ أَنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ ، قَالُوا : مَا زَمْهَرِيرُ جَهَنَّمَ ؟ قَالَ : بَيْتٌ يُلْقَى فِيهِ الْكَافِرُ ، فَيَتَمَيَّزُ مِنْ شِدَّةِ بَرْدِهَا بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ ) رواه الدارمي والبيهقي.

وكذلك من الاعمال التي تزيد في الأجر والثواب في أوقات الحر الصيام كما جاء عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم حر جهنم عن وجهه سبعين خريفاً) رواه النسائي.. وكان أبو سعيد لأجل هذا الحديث ينتقي اليوم الشديد الحرارة فيصومه مع طوله وشدة حره، فمن صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم حر جهنم عن وجهه سبعين خريفاً، وكذلك صام صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر، لأجل ذلك أيضاً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار