الجماهير || عتاب ضويحي
إذا أصبح الحزن ضرباً من ضروب البذخ والترف والخروج عن مألوف سعيد ملّه البعض وعافه، ويقرر أن يقيم” ليلة دموع” يعيش روادها مع سبق الإصرار والترصد مع ساعاتها المعدودة حالات حزن يستذكرون فيها ما أحزنهم يوماً، ويذرفون الدموع السخية إجلالاً وإكباراً وتقديراً لها، يحييها مطربون عرفهم جمهورهم بالكآبة، يوقظون بأصواتهم وكلماتهم الوجع وجروح كانت ملقية في بئر النسيان، يتسابقون للفوز بتحفيز مشاعر الحزن، وذرف الدموع كسيول جارفة، لا لشيء إنما لكسر الروتين والقاعدة، ويصبح الحزن نوعاً من الترفيه والترويح عن النفس ليس إلّا كما أراد القائمون عليها، فلنعلم نحن السوريين وغيرنا من شعوب العالم ممن طحنت رحى الحرب أيامهم و أحلامهم، أننا باذخو الترف بالحزن، بل ومسرفون ومبذرون.
زارنا الحزن ذات يوم ، وسقط سهواً أو ربما قصداً في عالمنا وعلق، تمكن حبنا من قلبه، حتى أصبح ينام على وسائد أبنائنا يقاسمهم الأحلام، يستيقظ مع إشراقة شمس صباحاتهم، ويعانق قطرات الندى المرتشفة على نوافذ الشرفات والحافلات وأوراق الشجر، دون أن يسأل نفسه عن مصدر تلك القطرات، هل هي قطرات الندى فعلاً ، أم أنها قطرات ذرفتها عيون جفاها الفرح.
قرر أن يلفنا بوشاح أسود خوفاً علينا من عين حاسدة ، وجعل البؤس ينيخ بكلكله على ليالينا، يستنزف أرواحنا على مهل، على ملل، جراح متتالية لا تنتظر سابقاتها أن تندمل، جراح صغيرة ثرثارة، أما عظيمها فأبكم، تتساقط الأرواح من الداخل بالجملة وتتشظى أركانها كالزجاج، ويشي الهيكل الخارجي بذاك التشظي.
تسرب العمر رملاً من بين أصابعنا ونحن ننظر في راحات يدينا، نمسح دموع الليالي الحزينة، فنحن عشاق الحزن حد البكاء، ودمعتنا تأتينا كل يوم كي تبادلنا الوفاء.
نحن من كسب الرهان وأبكى الجميع، لأن سعادتنا لها طعم الحسرة.
======
بإمكانكم متابعة آخر الأخبار و التطورات على قناتنا في تلغرام