أتى أيلول: شهر الخير والحب والسلام

بقلم الدكتور ربيع حسن كوكة

 

عندما رأيتُ الحركة المجتمعية في هذه الأيام تنعكس عليها تجليات الأزمة الاقتصادية بقوةٍ تذكرتُ حالنا قبل سنوات، حـ.ـربٌ وقذائف وشهداء هنا وهناك، وهو الحال الذي ودّعناه إلى غير رجعةٍ ـ بإذن الله ـ وتمضي الأيام ويتغيّر ذلك الحال إلى ما نحنُ فيه، وستمضي الأيام أيضاً ويتغيّر ما نحن فيه نحو الأفضل بعونِ الله تعالى.

 

وفي حوارٍ مع النفس أجدني أقف في شهر أيلول متفائلاً بعد ما مررنا بقيظ آب اللّهاب، ها هي نسمات أيلول تترك فينا انتعاشاً افتقدناه فيما مضى.

 

في الثامن من شهر أيلول كان ميلاد السيدة العظيمة الطاهرة مريم العذراء عليها السلام، وعندما أتلو في القرآن الكريم قوله تعالى من قصة مريم العذراء {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [آل عمران: 35 – 37] كان ذلك في أيلول وكانت الظروف عصيبة ولكن ذلك لم يمنع رزق الله من القدوم بشكلٍ مُعجزٍ عظيم.

 

نعم إنه شهر أيلول شهر بداية الخيرات السماوية حِسّاً ومعنىً، حيث انتظار المطر، التي تسقي الأرض بعد جفاف الصيف وتنعش كل حي، فتنتشر رائحة التراب في أرجاء السماء وتنتقل مع الرياح معلنة أهازيج الفرح بتجدد الحياة.

 

إنه شهر أيلول؛ شهر قطاف الزيتون تلك الثمرة المباركة العتيقة.

 

إنه شهر الألوان الأنيقة في طبيعة بلادنا الغناء إنَّه شهر اصفرار أوراق الشجر؛ لتتساقط لاحقاً وهي تبشّرُ بحياةٍ جديدة للوريقات التي ستأتي بعدها، وكأنها تقول لنا سيكون القادم أجمل.

 

شهر أيلول شهر الجَمال والنشاط وعودة الطفولة إلى مدارسها، وكم قرأنا في مخزوننا الثقافي والأدبي الغزل والأشعار والألحان والأغاني وكم شهدنا للحياة تجدداً في أيلول إنه شهر الحبِّ والأمل.

 

شهر أيلول هو حلقة الوصل بين فصلي الصيف والشتاء، وهو بداية فصل الخريف، حيث أن العشرة الأخيرة منه هي أول أيام الخريف ويسمونها بالاعتدال الخريفي.

 

شهر أيلول يولّدُ في النفس أشواقاً عميقة للدفء ويقلب المزاج بين صبحٍ ومساء، يعزف على قيثارة المشاعر ألحاناً عذبة لا يتسنّى للنفس أن تسمعها في غير هذا الشهر.

 

وها هو شاعر المَهجر الكبير إيليا أبو ماضي يتغنى بشهر أيلول الخير والجمال فيقول:

الحُسنُ حَولَك في الوِهاد وَفي الذُرى

فَاِنظُر أَلَستَ تَرى الجَمالَ كَما أَرى

 

أَيلولُ يَمشي في الحُقول وَفي الرُبى

وَالأَرضُ في أَيلولَ أَحسَنُ مَنظَرا

 

شَهرٌ يُوَزِّعُ في الطَبيعَةِ فَنُّهُ

شَجَراً يُصَفِّقُ أَو سَناً مُتَفَجِّرا

 

فَالنورُ سِحرٌ دافِق وَالماءُ شِعرٌ

رائِق وَالعِطرُ أَنفاسُ الثَرى

 

إلى أن يقول:

 

لِلَّهِ مِن أَيلولَ شَهرٍ ساحِرٍ

سَبَقَ الشُهور وَإِن أَتى مُتَأَخِّرا

 

رَدَّ الجَلالَ إِلى الحَياة وَرَدَّني

مِن أَرضِ نيويوركَ إِلى أُمِّ القُرى.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار