بقلم عبد الخالق قلعه جي
أكثر من مرة، أعادني الأستاذ ناظم عيد رئيس تحرير صحيفة تشرين، إلى قراءة ما كتبه في افتتاحية الصحيفة في عددها الصادر يوم الخميس الرابع عشر من أيلول الجاري ونشرتها وسائل التواصل الاجتماعي على عدد من الصفحات.
بعض من وجع لامسه الأستاذ عيد، في قراءة محيطة أكملت ياؤه ألِفَها.. وبكل البراعة.. غاص بمبضعه الحاذق عميق جراحات.. ربما غفل عن نزيفها الدامي وآلامها كثيرون، فكان أن ضاعت كما أخرى، وغابت في طيات ومجاهيل الحرب الآثمة على وطننا.
إلى الجنوب الغربي من مدينة حلب وعلى بعد حوالي خمسة وعشرين كيلومتر، وفي منطقة عرفت باسمه، ومنذ عام ألف وتسعمئة وسبعة وسبعين، يقوم المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة “إيكاردا”.
كما هو الذكاء والدهاء في اختيار وتسويق العناوين والأهداف والغايات، جاءت تلك التي أُعلنت مع زرع هذا المركز في بلدنا.. في مقدمتها: خدمة البحث العلمي وتطوير الأصناف.. زيادة الإنتاجية.. تخفيف وطأة الفقر وإدارة الموارد الطبيعية.. كان السخاء لافتاً.!! إنهم لا يلعبون.. وكل شيء عندهم بثمن وحساب.
خارطة العمل استهدفت البلدان النامية، والخدمة المسماة تفصيلاً كانت في مجال تحسين العدس والشعير والفول.. تحسين كفاءة استعمال المياه وانتاج المراعي والمجترَّات.. أرادوها مدخلاً طيباً خيِّراً انسانياً، وطُعْماً تسلسلياً شهياً، للعمل والوصول إلى مجال تحسين الأقماح الطرية والقاسية والحمص والنظم الزراعية.. الهدف النهائي آخر المطاف كان رغيف الخبز، وحرماننا من أمنه والكفاية.. ولابد من مقبلات تصرف النظر عن الوجبة والوجهة الرئيسية المبتغاة.
في معرض التعريف بكتاب “كيف تمسك بزمام القوة”.. “فن الاغواء”.. يقول مترجمه: احصلْ على ما تريد، من خلال التلاعب بنقطة الضعف الكبرى لدى الجميع.. هي لعبة الإغواء.. الشكل الأكثر خفية ومراوغة وفعالية من أشكال القوة.. أن تلقي التعويذة على الهدف.. كسر مقاومته ومن ثم حمله على الاستسلام.
عام ألفين واثني عشر وبالتعاون مع الشركاء الأدوات، الذين كانوا رأس حربة في مشروع تدمير الوطن، تم الاستيلاء على عينات القمح وبذور أخرى وجيناتها، وكذا بيانات بنك الجينات الزراعية السوري بايكاردا، لتطير إلى قبو يوم القيامة “بنك جينات سفالبارد” العالمي للبذور في القطب الشمالي. وليكون تلقائياً في خدمة المحصول الأمريكي وانقاذه، بعد أن بدأت الأمراض تصيب ذلك المحصول.
وبغية تدمير زراعة القمح في سورية وإمعاناً في إتسانيتهم إلى أقصى درجاتها، قدمت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية عام 2021 حوالي 3000 طن من بذار القمح لمناطق شمال شرقي سورية – بحسب مصادر – تَبيَّن بعد تحليل عيناتها، أنها مصابة بآفة “نيماتودا” التي قد تنتقل لمنطقة شمال شرق سورية ومنها لعموم سورية، والنتيجة أن تصبح التربة موبوءة وغير صالحة للزراعة نهائياً.
بعد فصفصتها، أجدني أن الأستاذ ناظم عيد – فيما ذهب اليه عبر مقالته – أحكم الطوق جيداً.. ولم تنسرب منه شاردة ولا واردة.. ومن الحكمة ألا يعيد أحد اختراع العجلة، فما من خيط، وبعد أن ضمه المسلَّةَ، إلا وكانت له قطبته الظاهرة منها والمخفية، التي نسج بها هذا المقال.. فصَّلَ بما يكفي، وبدون غموض أوجز.. كثَّف فرسم كُليَّة المشهد، وحلَّل فكانت النتائج.. شخَّص واقترح وأحال، فكان العين البصيرة المحبة المتوجسة الآملة.
ثمة ما استوقفني من تفاصيل، كان وصَّفها بمنتهى الدقة والوصول، أقرأُ فيما أقرأ، أن سيناريوهات مشبوهة متعددة الأشكال والألوان واللبوسات، لن تتوقف عن استهداف الوطن وأركانه ومقومات وجوده، وعن استمرار تسيير برامج الوصفات المفخخة.
هي ذي برتوكولات العالم “المتحضر” تجاه العالم النامي، ولن تكون في يوم من الأيام غير ما هم عليه، يقومون ويفعلون.. ولعل معايير الأخلاق والواجب والأمانة والانتماء والوفاء لوطننا تقول بالقبض على العِبـــرة لنكون مع ما ينبغي وما يجب وما ننتظر من اســــتدراك..
جرس محبة يقرعه الأستاذ ناظم عيد في تلك الافتتاحية، “وأملٌ مازال لدينا – يقول – في إعادة بناء منظومة الموارد، واستعادة مرتكزات الخصوصيّة السوريّة.. المطلوب إجراءات راجعة وما تستدعيه من محاسبة الأخطر على الإطلاق” “مفخخو السياسات الاقتصادية” وغيرهم من المفخخين.. عسانا نكون – فيما هو قادم – في مأمن من وصفات مفخخة أخرى، ومعها نقطع الطريق على مياه بغيضة آسنة من أن تمشي تحتنا أو أن تتغلغل بين ظهرانينا… “أمانة هذا الوطن في أعناقكم أيها الجميع”.. مازال في الوقت بقية.. من بقية.