بقلم عبد الخالق قلعه جي
ماذا أقول، وقد تجلى مولد الهادي وعمت بشائره البوادي والقِصابا.. هل أَقولُ كما غنت فيروز وآنَسْتْ باللَيلِ ناراً.. لَعَلَّ سِراجَ الهُدى قَد أَنارَ.. أم أطوف مع الروائع التي اجتمع لها أحمد شوقي ورياض السنباطي فكانت تحفاً غنائية في أرشيف كوكب الشرق.. ولد الهدى.. سلو قلبي.. نهج البردة..
الروح والملأ الملائك حوله.. في ثنايا النفس لمّا تزل، تنشر شذاها وفي الذاكرة، التي تحفظ لنا أيضاً الكثير مما شدا به صبري مدلل.. محمد الكحلاوي.. سيد مكاوي.. ياسمين الخيام أسمهان.. راحت الأطيار تشدو.. لأجل النبي.. رسول السلامة.. عليك صلاة الله وسلامه.
في كتابه التواشيح والأغاني الدينية في حلب، يذكر الأديب الباحث عبد الفتاح قلعه جي، أن الاحتفالات الدينية بذكرى المولد النبوي الشريف تبلغ ذروتها في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وما من جامع إلا ويقام فيه احتفال ( مولد ) بهذه المناسبة، تنشد فيه الموشحات والقدود والقصائد والمواويل الدينية والمدحات النبوية وفصول الأذكار.
لهذه المناسبة طقوسها الاجتماعية أيضاً.. حيث يتبادل الناس التهاني والتبريكات، والأهل الزيارات.. أما الشوارع والساحات العامة وقد ازدانت بهاءً، فتشهد هي الأخرى تقديم بعض أصناف الحلويات والسكاكر الملونة ( الملبس ) ضيافة للجيران والمارة.
ساحة العزيزية إحدى أشهر ساحات حلب والتي تشهد احتفالات الميلاد ورأس السنة والفصح المجيد، كانت على موعد مع احتفالات المولد النبوي الشريف، التي أقامها أبناء هذه الساحة وأصحاب محالها.. جوزيف فنون.. شكري جاك قيومجي.. مبادرة حياة.. ساحة في وطني.. تحكي الحكاية.
يوماً بعد آخر، تتحول وسائل التواصل الاجتماعي وصفحاتها، إلى منصات للحديث عن المناسبة ولتقديم تهنئة ومباركة.. غالباً ما تكون صوراً جاهزة أو ملصقات.. ينشرها الجميع ويتبادلونها فيما بينهم.
لن أتحدث عن الاحتفالات وبرامجها إلا بالقدر الذي يسمح أن نتساءل عن حالة القراءة العميقة لمعاني هذه الذكرى وأبعادها، لتكون سلم الارتقاء إلى الغايات والنتائج التي من المفترض أن نصل إليها ونتمثلها نهجاً وسلوكاً.. تعاملاً وعملاً، ليس يوماً كل عام.. إنها كل الأيام كل الأعوام.. والمطلوب عميق معرفة لصاحب الذكرى من وحي وصفه تعالى “وإنك لعلى خلق عظيم”.. ” وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين”.
منظومات قيم للروح وعمل للحياة.. “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.. “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”.. و” ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره إلى جانبه جوعان وهو يعلم”.
هي بعض من عناوين تتبدى مع هذه المناسبة.. التي تأخذنا أيضاً في جانبها الشكلي وبرامج إحيائها.. تأخذنا إلى الغناء الديني، الذي غالباً ما نستسهله ونبخسه حقه وقيمته وقدره، عندما نأتي فقط بالكلام على لحن يرقص الجميع عليه وله أجواؤه وطقوسه المحفورة في الذاكرة.. ليس الغناء الديني هو ذلك الذي لا ترافقه آلات موسيقية، وما هكذا يكون القد والقدود..
الغناء الروحي – بما يجب أن يكون عليه – ربما من أصعب الألوان الغنائية تلحيناً وتمكناً وأرقاها سوية.. مضموناً وشكلاً… ولنا في فناني حلب الكبار وبعض المعاصرين وما قدموه من أعمال، شاهداً في هذا السياق، وأعمال مَنْ ذَكَرْنا بدايةً، وصولاً إلى توفيق الباشا وفيروز.. وديع الصافي.. سيد النقشبندي.. ياسمين الخيام وميادة بسيليس، وأسماء أخرى كثيرة قدمت السوية اللائقة بالأغنية الدينية.
في البال والذاكرة ماتزال حاضرة تلك الاحتفالية الرائعة، التي قدمتها قناة تلاقي قبل عدة سنوات، احتفالية المولد النبوي الشريف بقيادة المايسترو شادي نجار واشراف مخلص القادري على مسرح نقابة الفنانين بحلب.
هي هكذا والله.. كلٌ متكاملٌ أن نعيش المولد ونحياه.. “لا نفرق بين أحد من رسله”.. و”لا يؤمن أحدكم…..” و “ما آمن بي….” و”إنما بعثت….” و” ما أرسلناك…” عليك السلام صاحب الذكرى، والعيون لَيْتَها، إلى مهبط اسرائك ترحل كل يوم.. وجهان يبكيان.. وإنني أصلي.
السلام عليك والعيون، إلى كل ركن في وطني، ترحل كل يوم.. وإنني أصلي.. لأجل أطفاله ولأجل من دافع عنه واستشهد.. أصلي أملاً ورجاءً بعض محبة نقية خالصة.. أصلي ثقة ويقيناً بأن الأرض لنا، وسترجع إلى أهلها.. وبأيدينا سنعيد بهاءك وطني بأيدينا.. للوطن سلام وأمان.. عيش يليق بك وحياة لابد آت آت.
======
بإمكانكم متابعة آخر الأخبار والتطورات على قناتنا في تلغرام