بقلم: الدكتور ربيع حسن كوكة
طابت بحُبّ المصطفى الأوقاتُ
وتزينت بمـــديحه الأبيـــــــــــــاتُ
إن المحبة في القلوب حياتــــها
وجميعُ منْ جهلوا الهوى أمـــــواتُ
أثْبَتُّ حُبي مذ نفَيْتُ به السِّــوى
والنفيُ يـــأتي بَعــــــدَه الإثبــــــاتُ
قرأتُ هذه الأبيات للمُحب الكبير الشيخ عيسى البيانوني الحلبي رحمه الله تعالى وتأمّلتُ في هذا الشهر المبارك ” شهر ربيع الأول” الذي حمل معه ذكرى مولد رسول الرحمة والإنسانية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هذا الشهر الذي يحتفلُ الناس فيه بهذه الذكرى ويظهرون ابتهاجهم حبّاً بصاحبها صلى الله عليه وسلّم. وقد علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين).
ولقد قادني هذا الحديث النبوي الشريف إلى تذكّر حوارٍ كنت قد تحاورته مع شخصٍ حول بعض المعاني التي احتضنها الدين كالرحمة والتسامح والصبر؛ وتشعب بنا الحوار لنصل إلى الحديث عن الحب، فإذا بذلك الشخص يستبعد أن يكون ديننا قد حض على هذا الشعور رابطاً ما وصل إليه من نتيجة بما جري من أحداثٍ دموية بأيدي من يرفعون الشعارات الدينية المختلفة من التكفيريين والإرهابيين.
طلبتُ منه التريّث قليلاً لأبين له أن أولئك الذين يرتكبون الفظائع لا يمثلون الدين؛ هم يمثلون أطماعهم وينفذون أوامر أسيادهم؛ أما ديننا الإسلام فهو غير ذلك على الإطلاق؛ إنه يقوم على أساس المحبة، يقوم على أساس سعادة الإنسان؛ كيف لا والحبُّ من أهمّ المشاعر التي تجعل الإنسان سعيداً، هذا الحب هو الذي يسمو بالنفس البشرية فيجعلها تشابه الملائكة، الحب يتدفق ينبوعاً من الصدر ليصبّ في ملكوت السماء.
لقد أقام الله تعالى هذا الكون على الحب؛ أحبّنا فأوجَدَنا سبحانه، وأحبَبْنَاه فعبدناه؛ واجتهد المجتهدون في طاعته يدفعهم ويحدوهم إلى ذلك حبَّه وتكون المكافأة الإلهية بالحب أيضاً فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أحبَّ الله تعالى العبد، نادى جبريل، إن الله تعالى يحب فلانا، فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض) رواه البخاري.
إن المرء يأتي إلى هذه الدنيا بالحب ويعيش على الحب؛ ابتداءً من حبه لأمه بعد الولادة مروراً بحبه لأبيه ولإخوته وحبه اللعب مع رفقائه، وحبه لأصدقائه في المدرسة ثم حبه لعمله وحبه لزوجته ثم حبه لأبنائه وهكذا…
لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم.
لقد رغّب الله تعالى بالأجر العظيم لمن يحمل في صدره هذا الشعور وينميه ـ أعني الحب ـ فقد قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:( إِنَّ اللَّهَ يقول يوم الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ في ظِلِّي يوم لا ظِلَّ إلا ظِلِّي) وحذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشعور المعاكس للحب وهو الكراهية والبغضاء فقال: (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً ..) رواه البخاري.
إن الكراهية والبغض من أكثر العوامل المدمرة للذات والأسرة والمجتمع على حدٍّ سواء فالإنسان بحاجة إلى حب ذاته ليعمل على تطويرها، والأسرة بحاجة إلى الحب لتحيا حياةً سوية، والمجتمع بحاجة إلى الحب ليكون رابطاً بين أبنائه ومكوّناته…
فبالحب تحيا الشعوب وتُبنى الحضارة وتزدهر الثقافات، وبقدر ما يكون هذا الشعور موجوداً بقدر ما يكون البناء قوياً، إنه رزق من عند الله تعالى يهبه للخلق فكما وهب الروح للجسد فتحرك بها، فهو يهب الحب للقلوب لتحيا بها، وقد ورد في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف حبه لزوجته السيدة خديجة رضي الله عنها فقال: (إنّي رُزقت حُبّها)
وبالحبِّ نتّبع رسول الرحمة ونبي السلام سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم فتزدهر دُنيانا وآخرتنا.
إن الحب غذاء الروح وحوارها الدائم وحديثها المستمر مع سائر العوالم والمعالم، نتخطى به عتبات الوعي المحسوس إلى فضاءات النور حيث تجليات العشق السرمدي والجمال الأزلي.