بيانكا ماضيّة
كانت تخاف على البيت الذي لم تطأه قدماها بعد، تم تأجيل عرسها إلى أن يحسم الطفل الفلسطيني معركة الدم، ولم يكن كلام عريسها على خشيتها من أن تطال الصواريخ بيتهما إلا تهدئة وبلسماً لها: لا يهم البيت مادمنا معاً.. في الأمس أرسلت العروس ورقة النعي لكل العالم مغمّسة بدموعها: استشهد عريسي!.
الأب الذي طمأنه الطبيب على أن هناك أملاً كبيراً في شفاء ابنته، طار فرحاً وذهب إلى البيت لأجل أن يعود ببعض الملابس وبعض الفرح من قلب الأم، وحين وصل إلى المشفى، لم ير تلك الابتسامات التي كانت على شفاه الطبيب وابنته، ولا ذاك الصمود لمشفى حوى بين جدرانه جرحى غزة، لم ير أحداً، تحولوا إلى فراشات، إلى ملائكة، إلى رائحة فلسطين التي طارت باتجاه السماء.
الطلاب الأجانب الذين صادقوا الكثيرين من العرب في جامعاتهم، بدأت الدهشة تعلو وجوههم وهم يسمعون من أصدقائهم العرب تفاصيل التغريبة الفلسطينية، وجلجلة الغزاويين، وصلبان الشباب الفلسطيني. لم يدهش أولئك الطلاب الأجانب وحسب، بل تظاهروا فضحاً لذاك التاريخ المشوّه من قبل قادتهم.
والشبان العرب الذين فاض الغضب في أرواحهم على ميادين الدم في غزة، أبوا إلا أن يتجهوا إلى الحدود ليقولوا: دماؤنا ودماء الفلسطيني واحدة.
ربما لم يدر مارك منشئ موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) الصهيو*ني التوجه والإعلام، أنه لم يستفد من كل الصفحات المنشأة للتأثير في الرأي العام، إذ وحده لون الدم الفلسطيني استطاع التأثير لدرجة الغضب الشعبي العالمي، لا على صفحات الموقع ذاك، وإنما على أرض الواقع هذا.
انكسرت شوكة الصهيو*ني الإسر*ائيلي في معركة (طوفان الأقصى)، وتحطمت عنجهيته وعنفوانه الوهميان، وتكسّرت على أعتاب غزة كل خطابات القوة والصلف والجنون، ولم يبق إلا القليل لتنعى أم هذا الكيان ابنها المدلل الذي ستُدَق المسامير الأخيرة من كل الجهات في نعشه. لن يبكي عليه أحد، ولن تولول عليه أم، حتى أمه التي ترعاه، أمريكا، ستظهر وجهاً آخر غير مبال لحفظ ماء وجهها، وهي في صميم قلبها مطعونة الطعنة النجلاء من رجال يعرفون اليوم كيف يتم الطعن في الخاصرة، وكيف يُسقى السم بدل الماء.