بقلم محمود جنيد
تأبى روح المعلم العربي أن ترتقي إلى بارئها متسربلة بثوب الشهادة، قبل أن تطمئن بأن تلامذته حفظوا الدرس الوجداني الوجودي عن ظهر قلب، بما يحمله من مضمون ومفهوم جمعي؛ تاريخي و سياسي وجغرافي وثقافي واجتماعي: “فلسطين داري ودرب انتصاري ..تظل بلادي هوى في فؤادي ..ولحنا ابياً على شفتيا…!
وكان المعلم العربي الذي جسدتُ( أنا صاحب هذه السطور) دوره في تجربتي التمثيلية الوحيدة في حياتي قبل عقود أيام الطلائع، وصل إلى جملة “وجوه غريبة في ارضي السـ.ـليبة” من انشودة الشاعر السوري سليمان العيسى، ليداهمه صوت آمر دورية الاحتـ.ـلال الصهيـ.ـوني القميء: أنت ماذا تفعل هنا، ليجيبه المعلم: انا معلم واقوم بواجبي من أجل تعليم أبناء وطني، وهنا يستنكر الجندي الصهيـ.ـوني ماقاله المعلم بنباح حاد اللهجة: ماذا تقول؟! الا تعلم بأن ماتفعله ممنوع ومخالف لقوانين « الدولة الإسرائيـ.ـلية؟؛ » فيجيب المعلم النجيب بحزم: أبناء وطني من حقهم أن يتعلموا؛ أن وطنهم فلسطين، وأن فلسطين جزء من الوطن العربي، وقبل أن يعاود الصهيـ.ـوني المدجج وحاميته بالسلاح، مقاطعة حديث المعلم، يردعه الأخير مكملاً حديثه دون أدنى اكتراث بوهم السطوة والقوة التي أتى بها جنود صهـ.ـيون: وانتم ايها الصـ.ـهاينة المجـ.ـرمون سلبـ.ـتم أرضنا وشردتم شعبنا، ولن تهنأ لنا عين ويرتاح لنا بال حتى نعيد فلسطين وعاصمتها الأبدية القدس؛ عربية كما كانت…(محاولة تدخل يقابلها ردع آخر )، يواصل معها المعلم حديثه المنهمر كطوفان الأقصى: سنظل نقـ.ـاوم ..سنظل نقـ.ـاوم لنطردكم من أرضنا، حتى آخر قطرة دم تسري في عروقنا.
ويأمر هنا ضابط الدورية الصهـ.ـيونية مجموعته برمي المعلم الثائر بالنـ.ـار ليمحي أثره ودوره التنويري التعلمي الخطر على الكيان العنكبوتي الوهٍن، وسط صراخ وممانعة التلامذة الاطفال، الذين ينضمون إلى موكب عرس تشييع المعلم الشهيد وهم يرددون بأعلى صوت:”فلسطين داري ….” بعد أن نجح الفدائيون بالوصول إلى المكان وتصفية الدورية الصهـ.ـيونية عن بكرة أبيها ثأ.راً للمعلم العربي الفلسطيني الذي ارتقى شهيداً، تاركاً أثراً وإرثاً ومنهجاً تتعاقبه الأجيال، متجذراً في الأرض راسياً قبل ميلاد الزمان وقبل تفتح الحقب.
واليوم تأتي هذه المقاربة بعد عشرات السنين لتربط الماضي بالحاضر، بمسرى الذاكرة الجمعية، إذ يعيد التاريخ نفسه، ونفس الزمرة الصهـ.ـيونية بجيناتها الـ.ـنازية، تعاود الكرّة، مدعومة من الفاشـ.ـية الاميريكية محراك الشر في العالم ومانحة الضوء الأخضر لآلة الحرب الصهيـ.ـونية الأعـ.ـنف والأقذر بتاريخ البشرية، في محاولة لإبـ.ـادة الحجر و البشر في غزة، وتهجـ.ـير من بقي منهم وتغريبهم عنها، كما كان ديدن أحفاد القردة والخنازير مغتـ.ـصبي الأرض المقدسة، على مدار ٧٥ عاما من الصـ.ـراع العربي الصهـ.ـيوني.
لكن … ورغم الدعم المفتوح ماديا وعسكرياً وسياسياً واستخباراتياً من قبل الغرب السافل وقوّادته امريكا، ورغم الصمت العربي الرسمي غير الشعبي الفاضح، ورغم الحصار غير المسبوق حتى على الهواء النقي غير المشبع بالبارود، ورغم عشرات الأطنان من المتفـ.ـجرات التي تساوي نحو ثلاث قنـ.ـابل نووية؛ التي قصـ.ـفت بها منازل ومستشفيات و مدارس النازحين وخلفت آلاف الشهداء والجـ.ـرحى من المدنيين وأغلبهم نساء وأطفال في غزة التي لا تجد شربة ماء تروي الظمأ أو رغيف يسد الرمق، و رغم الانتـ.ـهاكات الصهـ.ـيوأميريكية الصارخة للقوانين الانسانية والدولية، وقوانين الحرب بصورة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، إلا أن محلمة الصمود و المـ.ـقاومة مازلت صامدة مستمرة، والردود الشديدة الوقع مازالت تقصف بيت العنكبوت الصهـ.ـيوني الهش متعدية غلاف غزة ومحيطها إلى عقر تل أبيب الكبرى .. وكل مانرجوه أن يكون القادم نصر مؤزر من عند الله، ينصف الفلسطينيين المظلومين في الأرض، و يفرح شهداءهم في عليائهم.