الناموس الإلهي: شهرٌ من الصبر والنصر

بقلم: الدكتور ربيع حسن كوكة

 

النَّسر حلَّق في السماءِ وجاءَ

يسقي عِداهُ مَذَلَّةً صمَّاءَ

 

والببَّغاءُ مُطبِّعاً ومُحاضراً

يَهَبُ الجموعَ خطابَهُ البَنّاءَ

 

بعد مرور شهرٍ من انطلاق عملية “طوفان الأقصى” المباركة ودمـ.ـار الوهم الصـ.ـهيون الذي كانت حصونه أوهن من بيت العنكبوت، أجد في كوننا تأكيداً واضحاً على سنة الله تعالى في عباده أفراداً وجماعات؛ أمماً وحضارات؛ ألا وهي سنّة الدوران حيث تتداول فيها فترات وأزمنة الضعف والقوة، الصعود والهبوط، التقدّم والتخلّف؛ الحياة والموت، وهذه السنّة والناموس الإلهي هي التي بيّنها القرآن الكريم بقوله تعالى:{وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين}[آل عمران:140] ،

 

وتترسّخ هذه السنة الإلهية إذا تأملنا سيرة الخلق والتكوين للإنسان حيث خُلق من طين ثم تناسل من نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً ثم يُكسى العظام لحماً ثم يصبحُ طفلاً؛ ثم يولدُ فيكبر شيئاً فشيئاً، ثم يصبح صبياً ففتىً فشاباً ثم كهلاً ثم شيخاً ثم يموت ويعود للأرض مرة ثانية؛ بهذا التأمل سنجد كيف أن الخط البياني بدأ يرتفع من الضعف إلى ذروة القوة ثم بعد ذلك ومهما طال الأمد يبدأ بالانحدار إلى الضعف مرةً أخرى.

 

وتماماً كسيرة خلق الإنسان وحياته نجد سير الكائنات الأخرى بل وسائر الحضارات المرتبطة بهذا الإنسان، إنها قاعدة مطردة؛ قانون إلهي.

فإذا علمنا هذا القانون وفهمنا مكنونه وتطبيقاته في واقعنا سندرك أن كل ما نمرّ به من كروب وضيق وشدَّة سيكون إلى نهاية لا محالة وسَيُبَدّل لا ريب ولا شك في ذلك أبداً.

وقد بيّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأمر وكيف أن سنة الدوران مطردة من خلال قوله: (لا يلبثُ الجورُ بعدي إلا قليلاً حتى يطلع، فكلما طلع من الجور شيء ذهب من العدل مثله، حتى يولد في الجور من لم يعرف غيره، ثم يأتي الله تبارك وتعالى بالعدل، فكلما جاء من العدل شيء ذهب من الجور مثله، حتى يولد في العدل من لا يعرف غيره) رواه أحمد.

 

ولذلك كله نرى أن سنة الدوران هذه قانوناً لازماً في مسار الحضارات، حيث نجد باستقراء التاريخ أن القوة تأتي بعد الضعف، والعلم يأتي بعد الجهل، والغنى يأتي بعد الفقر وهكذا.

 

لقد تعاقب على التاريخ حضارات سادت ثم بادت؛ ودول ملكت ثم هلكت؛ وإمبراطوريات ظهرت ثم قُهرت، فهنا سُنّة الدوران تعني حلول حضارة مكان أخرى ومُلكٍ مكان آخر، ونهجٍ مكان آخر، ذلك أن الحضارات البشرية أتت من تراكم العلم وتطور البشرية وترقيها في سُلّم الارتقاء المدني الإنساني لذلك لم يكن ليجوز عليها الخلود بل غالباً ما كانت تُفسِحُ المجال لحضارةٍ أرقى وذات أسسٍ أقوى.

 

غير أن حضارتنا العربية الإسلامية كانت مُستثناة من هذه المعادلة محفوظة بعناية الله تعالى، وما ذلك إلا لارتباطها بأمرٍ تكفّل الله تعالى بحفظه ألا وهو الدين والقرآن العربي المبين والأمة العربية الإسلامية المُطبّقة لهذا النهج الإلهي العظيم الخالد، وهذا الأمر هو الذي ميّز الحضارة العربية الإسلامية عن سائر الحضارات الأخرى فجعلها راسخةً وقوية عبر قرونٍ طويلة من الزمان؛ فهي كلما عثرت وجدت لنفسها سبيلاً للنهوض، تمتدُّ هويتها وخصوصيتها في أعماق التاريخ.

 

وعلى هذا المعنى أكّد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (يبعثُ الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) رواه أبو داود. أي أن ربنا جلّ وعلا يُعيد ضخّ العافية والقوة والثبات في هذه الحضارة العظيمة لتستمر وليبقى لديها القدرة على العطاء وتبوّء الدور القيادي للأمم.

 

وها نحن نشاهد النصر يرفرف فوق رؤوس المـ.ـقاومين من أمَّتنا بعد مرور شهر من الصبر والجهاد العظيم في غزة وبعد ظهور تباشر النصر منذ اليوم الأول من عملية “طوفان الأقصى”

إننا نرى ملامح الشرفاء في سائر أنحاء العالم تكسوها الروح الفلسطينية المناضلة، ولا أقصد تلك الوجوه الخائنة ولا أولئك المتباكين على كيـ.ـان الظلم والعـ.ـدوان.

 

وإذا كانت أمتنا وحضارتنا قد مرَّت بطورٍ من أطوار الضعف فإن هذا الضعف يوشك أن يتحوّل إلى قوة وهذا التكالب الذي نراه من أعداء أمتنا ووطننا يوشك أن يتحوّل إلى تملّق وإرضاء بإذن الله تعالى.

 

نشهد هذا النصر وهذه الكرامة الإلهية من خلال صمود هذا الشعب العظم. ومن خلال ما حققته المـ.ـقاومة على أرض فلسطين المباركة، وأما الذين تآمروا وراهنوا على الزوال والانكسار والهزيمة من أعداء الحق والإنسانية فقد حجزوا لأنفسهم مكاناً ومكانةً في مزبلة التاريخ.

=====

بإمكانكم متابعة آخر الأخبار والتطورات على قناتنا في تلغرام

https://t.me/jamaheer

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار