بقلم: الدكتور ربيع حسن كوكة
والأربعين ليالٍ قام تاليها
أما السنين فذاك التيهُ يحكيها
والوعدُ بالحقِّ في قومٍ سواعدهم
للنصر تُشهِدُنا أسمى معانيها
نجد في القرآن الكريم ورود كلمة ” الأربعين” يقترن بدلالاتٍ زمنية
ففي قوله تعالى في سورة البقرة: (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ)
تخبرنا الآية عن ضلال بني إسرائيل وعبادتهم للأوثان عندما ذهب موسى عليه السلام لميقات الله، عبدوا الأوثان رغم وجود الأنبياء بينهم.
وفي سورة المائدة تحديدا في الآية السادسة والعشرين منها نقرأ قوله تعالى (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) والآية تخبرُ عن بني إسرائيل الذين عصوا نبيهم ورفضوا أوامر الله تعالى فكان القرار الإلهي أن يُحرّم عليهم أرض فلسطين وأن يكونوا مشردين في الأرض.
ثم نشهد المعجزة الإلهية في التفسير الإشاري للآيات التي تلي تلك الآية والتي تتحدث عن أول جريمة في تاريخ البشرية قال تعالى: (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين) ثم يتابع البيان القرآني تصوير الحوار والأحداث.
إن المُلفت حقاً أن البيان القرآني ذكر تيه بني إسرائيل ثم أورد في الآيات التي تليها جـ.ـريمة قابيل مع أخيه هابيل لا على سبيل المصادفة، إذ القرآن كلامٌ معجزٌ ليس فيه مُصادفة.
وبيانُ ذلك أننا إذا أردنا أن نستدعي ما في الذاكرة التاريخية لرقم أربعين سوف يقف أمامنا شامخاً جبلُ قاسيون مُشيراً إلى “مقام الأربعين”، أو “مغارة الدّم”. هذه النقطة هي المكان الذي قتـ.ـل فيه قابيل شقيقه هابيل ابن آدم عليه السلام، ولا تزال الصخرة التي تحتوي على لون أحمر هو من بقايا دم القتـ.ـيل الذي ظلّ عبرة وشاهداً على الجريمـ.ـة، وهناك شقّ على شكل فم مفتوح فيه شكل أسنان ولسان يروي البعض أسطورة أن ذلك الشق ناتج عن شَهقةٍ أطلقها الجبل من هول الجـ.ـريمة التي كان شاهداً على حدوثها قبل آلاف السنين أو رغبةٍ منه بابتلاع القـ.ـاتل جزاءً لما قام به، إضافة لنقاط ماء لا زالت تتساقط ببطء وهي _ بحسب ما يُحكى _ دموع الجبل التي ذرفها حزناً على أول جريمة قتل في تاريخ البشرية.
إن ورود آية تيه بني إسرائيل قبل الآيات التي قصّت لنا جريمـ.ـة البشرية الأولى والتي وقعت فيما سُمي لاحقاً ب” مقام الأربعين”
هي إشارة إلهية على استمرار همجـ.ـية ووحـ.ـشية وإجـ.ـرام قـ.ـتلة الأنبياء من بني إسرائيل فقد قضى الله عليهم بالتيه، ولكنهم يرهقون البشرية بالقـ.ـتل والإرهاـ.ـب والتدمـ.ـير وستكون عاقبتهم الخذلان والندم والضياع.
وفي معركة إخوتنا في عملية “طوفان الأقصى” في غزة العزّة بل في كل فلسطين نقترب من يومها الأربعين هذا اليوم الذي نسأل الله تعالى أن يكون نصراً وعزّةً وتأييداً وتمكيناً لإخوتنا المجاهدين والمقاومين والمرابطين.
ونتفاءل ونستبشر بقوله بالآية أربعين من سورة التوبة حيث نقرأ قوله تعالى: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (40)
هذه الآية التي تحكي لنا الناموس الإلهي والقانون الرباني: يا أيها الناس إنكم إن لم تنصروا أهل الحق فإن الله ناصرهم وجاعل كلمته العليا وكلمة أعدائهم السفلى.
ثقةً بالله: *أبشروا واطمئنوا فمن كان معه الله فمن عليه؟!!!!*