تغيير

بيانكا ماضيّة

 

لم تكن اللوحات جديدة بمضمونها، رحت أبحث وأنا أجول في المعرض عن لوحة، قصة لطالما رسمتها في خيالي، إلا أن أحداً من الفنانين لم يكن ليدونها خطوطاً على صفحته البيضاء.

مآس وعذابات وآلام ودمار ودماء تسيل في أرجاء المعرض، اللون الأحمر يكاد يغطي على الألوان الأخرى، ولكن رمزيته ليست واحدة كما أعرف، رحت أبحث عن المعنى الآخر إذ قد يتبناه أحد الفنانين.. هنا لوحة جلس فيها طفل على الركام وحيداً، لم يعد له أب ولا أم ولا أسرة، دموعه تملأ وجهه، لكن لعبة بيده لم يكن ليفارقها. لوحة أخرى لطفل مضرج بدمائه، ودموع كثيرة تملأ اللوحة. لوحة أخرى لحمامة بيضاء تحمل في منقارها وردة حمراء هي الأخرى مضرجة بأرواح الأطفال.

ورحت أجيل النظر أكثر في اللوحات، وأتساءل أليس على الفن أن يزرع الأمل في النفوس المتعبة في هذا الزمن؟ وتوقفت أمام لوحة لفتاة جميلة تقف أمام المرآة وهي تمشط شعرها وهي تتساءل بينها وبين نفسها متى أقف أمامه ليمسّد شعري؟! وفيما أتطلع إلى محياها شعرت برجل بقربي يشهق، نظرت إليه فإذا هو يبكي، سألته لم تبكي ياعم؟ قال إنها تشبه ابنتي التي توفيت في الحرب. رحمها الله وصبر قلبك ياعم، لقد كانت الحرب قدراً عشناه جميعنا، وكم طالت شباناً وأطفالاً، هذه الحرب لم ترحم أحداً، والذين شنّوها مجرمون لا ضمير لهم. مشيت وكانت دموعه ماتزال تترقرق في عينيه.

ضاق نفسي وشعرت بغصة، وبمشاعر انتابتني في أثناء الحرب، أحسست بأني بحاجة لبعض الهواء، خرجت إلى  خارج المعرض لأتنفس بعض الهواء، وإذ بأحد الأصدقاء الذين لم أرهم منذ سنوات طويلة، رحبت به وسألته عن أحواله، فقال والأسى في عينيه لم يبق أحد من عائلتي، الكل هاجر خارج القطر، وسألته لم لم تلحق بهم؟ قال لا أستطيع العيش خارج وطني.. معك حق فكثيرون يشعرون بالحنين الجارف إلى وطنهم بعد الهجرة فيعيشون في مكان وقلبهم وعقلهم في مكان آخر..ثم طلب مني الصديق أن ندخل إلى المعرض إذ لم يجل به بعد، دخلنا معاً ورحنا نتجول في أرجائه، لم تكن اللوحات كما رأيتها قبل قليل، لقد تغيرت ألوانها، تغيرت موضوعاتها، تغير مرتادو المعرض، وتغيرت أنا.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار