الجماهير || عتاب ضويحي
داخل قيسارية من قيساريات حي أقيول، لازال العم محمد أحمد أزرق منذ أكثر من سبعين عاماً متمترساً في ركن هادئ يفوح منه عبق التراث، ويضج بالخيطان الحريرية أمام نول والده الخشبي، يصارع الأيام التي تحاول أكل مجده الغابر يوماً بعد يوم.
يستذكر العم أزرق بدايته مع مهنة النول الخشبي عندما بدأ يتعلمها عن والده الذي بدوره ورثها من أبيه الذي أتقن العمل على النول بقدم واحدة واستطاع أن يعيل أسرته، فمن عمر ال8 سنوات جلس العم أزرق أمام النول الخشبي ومازال حتى تاريخه، بذات التركيز والذاكرة لكن بجسد أرهقته السنون لكن لم تستطع التغلب على إرادته ورغبته في الحفاظ على مهنة أجداده رغم أنها كما وصفها مهنة الدرويش والعامل بها” أوله بحّات وآخره شحات “، لكنه أحبها وأصبحت جزءاً من حياته، تمنحه حرية الوقت في العمل، ولا يمر يوم دون أن يجلس وراء نوله ينجز القطع المطلوبة، يقضي وقته من الساعة 11 صباحاً حتى آذان العشاء ويعود أدراجه مشياً إلى منزله بحي الشعار، وهكذا دواليك.
يحتاج النول حسبما ذكر العم أزرق للعافية والحب بالدرجة الأولى، فكلما كنت شاباً وتمتلك الرغبة في العمل كان الإنتاج أفضل، وكل قسم في النول “الجرار، المطواية، الزيركونة، الغروزة، الدوس” يحتاج الجسم بأكمله من نظر وسمع وحركة وذاكرة وتركيز وعافية بالدرجة الأولى.
أما الخيط قديما فتصنيعه يتم بعدة مراحل أولاً يقوم المسدي بعمل الشقق أو شلل الخيطان، وترسل للصباغ، ثم للمزيك يقوم بوضع النشاء والغراء والصمغ والزيت لمنع التصاق الخيوط، ويجففها، لتأتي مرحلة الملقي العربي الذي يضع الخيط في أمشاط الدرق بواسطة مخرز، حالياً والكلام للعم أزرق يأتي الخيط من الملقي مصنعاً آلياً، بعد أن يركبه الملقي على النول حسب طلب الزبون يجب أن يبدأ العمل بهدوء ودقة لنتيجة أفضل، ومن ثم يبدأ العمل بالقطعة حسب خبرة العامل وتمكنه من الأعطال في حال حدوثها وحدوث الخطأ وارد جدا نظراً للسرعة.
وبالنسبة للقطع المشغولة أغلبها قطع قماشية تستخدم لصناعة “حطات الرأس ، والمئزر” لكن حسبما أوضح العم أزرق خف الطلب على المئزر نظرأ لعدم ارتياد حمامات السوق كما السابق، ووجود مآزر صناعية منافسة لكن ليست بنفس الجودة والإتقان.
وعن منغصات عمله ذكر العم أزرق أن قلة الطلب على القطع المشغولة بالنول الخشبي تهدده بالانقراض، ومنافسة المنتجات الصناعية رغم أنها لاتقارن بمنتجات النول لامن حيث الجودة ولامن العمر، كما أن هناك أقمشة لاتستطيع الآلات تصنيعها، وبالنسبة له ليس لديه طلب محلياً فقط قطع قماشية “مشلح ” مطلوبة لفلسطين، إضافة لبعض المآزر يطلبها بعض أصحاب حمامات السوق، ويتمنى العم أزرق أن يخصص لأصحاب المهن التراثية راتب شهري يساعدهم على الاستمرار بمهنهم، التي لم يعد يرغب الأبناء بتعلمها ولاحتى يرغب الآباء بتوريثها لهم لأنها لا تأتي بهمها مع الظروف المعيشية الحالية.
»»»»»
تابع قناة صحيفة الجماهير في واتساب: