الثقافة والأدب في مواجهة الحرب .. دور المثقف في داخل وطنه كدور الجندي المرابط في الثغور

الجماهير- بيانكا ماضيّة
لم تكن الحرب لترخي سدولها على المنظومات كلها، لو لم تكن مرجعيات هذه الحرب ثقافية، فقد تلمّسنا استهداف بنية العقل، ومنظومة الوعي، ورأينا كيف انهار الجدار الثقافي الذي كان من المفترض أن يكون سدّاً منيعاً في وجه كل محاولات العبث، انهار على أيدي الكثيرين ممن كانوا من النخب الثقافية التي يُعتدّ بها سابقاً. ولكن في المقابل كان هناك من لم يجعل هذا العبث يأخذ مداه فشحذ قلمه استعداداً للحرب.
في الحرب حين تصبح كل الأشياء نصب عينيّ البنادق، لا بد من الاستنفار للمواجهة، وهذه المواجهة لا تكون عسكرية وحسب، وإنما مواجهة على صعد عديدة، وأولها على صعيد الفكر والوعي، وبعض الأحيان تتحوّل إلى حملٍ للسلاح باتجاه الخطر الأكبر، حين يكون الهدف الوطن برمّته.
حين قامت فرنسا وبريطانيا وتركيا بالعدوان على روسيا عام 1851 كان ليو تولستوي الكاتب الروسي العظيم على خلاف كبير مع السلطة القيصرية ومع الكنيسة، ولكـنه ارتـدى مـلابسـه العسكـريّـة ونزل إلى ساح القتال، وقـال: “يتنحّى الخـلاف جـانبـاً، فـالـوطـنُ أولاً وثـانياً وثـالثاً”. هكذا يكون دور النخبة الثقافية في مواجهة الخطر المحدق بالوطن، إذ لابد من أن تنتفي كل أنواع الخلافات حينها، ليكون الدفاع عن الوطن أولاً وأخيراً.
هذا هو دور المثقف الكاتب، فهو جزء أساسي من المجتمع ويعي أهمية دوره في الدفاع عن وطنه مما يحيق به من خراب ودمار على غير صعيد. للمثقف دور في داخل وطنه كدور الجندي المرابط في الثغور، فهو قدوة المجتمع ولكلمته فعلها من قوة وإقناع.
حين تتأزم المواقف، وتنشب الحروب؛ يشحذ المثقف قلمه لينثر إسهاماته وينشرها، فتكون لكلمته قوة كقوة البرق، إذ يتحول القلم إلى بارود، والكلمة إلى رصاصة، فلا يكون رهين الصمت حين تأزف مهمته، ويحين دوره.
لم ينته دور المثقف ولاينتهي، فالحرب لم تنته بعد، ومامن شك في أن للثقافة والأدب دوراً أثناء الحرب وبعدها، فما هو المعوّل عليهما الآن ومستقبلاً ؟! وما دور المثقف الحقيقي؟!
(الجماهير) التقت بعضاً من أدباء المدينة، للإجابة عن هذه الأسئلة المهمّة. فالأديب والشاعر عبدالجواد الصالح يرى “أنه من المبكّر الحديث في هذا الموضوع، إذ كانت المأساة التي أذهلتنا كبيرة، ومازالت”. مؤكداً أننا “لم نفق بعد من هول ما أصاب أرواحنا من رعب وما أصاب ممتلكاتنا وبيوتنا من دمار. ثم إن الحرب لم تنته بعد ، فما زالت مساحات شاسعة وتحتوي على أهم الثروات الباطنية والزراعية بأيدي قوى مدعومة من الأمريكان والأوروبيين . وقسم آخر من أرضنا مازال تحت الاحتلال التركي وأزلامه من المعرة إلى جرابلس ومابين هذا القوس من مدن وبلدات”.

الكلمة سلاح أقوى من الرصاصة
الأديبة سها جلال جودت تؤكد أن “الثقافة تنقسم إلى قسمين عامة وشخصية، أما العامة فهي تنحصر في ثقافة المجتمع الذي ينتمي إليه المواطن المثقف بمعنى القارئ، وهو صاحب الراية الذي يحمل أقانيم أدبه وإبداعه من أجل خدمة الوطن والمواطن أي المجتمع الذي ينتمي إليه.
في تلك الحرب الكونية القذرة التي شنها أعداؤنا علينا مع بعض النفوس الضعيفة في الداخل بلبلت كيان اﻷمن واﻷمان الذي كنا نعيشه، وكشفت النقاب عن وجوه الكثيرين ممن ادعوا المواطنة والوطنية.
كلنا يعلم أن للكلمة تأثيرها القوي نفسيا وسلوكيا، وقد لاحظنا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ومنابر الثقافة خاصة في حلب وتحديدا مديرية الثقافة بصالة تشرين، أن الكتّاب الشرفاء قاموا بدورهم الريادي سواء بالشعر أو القصة أو المقال، وكان لهم الدور اﻹيجابي في المحافظة على ثبات اﻹرادة الشعبية الصامدة وبمواجهة كل التحديات داخليا وخارجيا.
في الخارج قذائف تنهمر خبط عشواء، وعلى المنابر أصوات تصدح، تعري، تشجب، تندد بكل الاغتيالات التي تعرضنا لها. بعض المثقفين نأى بنفسه، وبعضهم انشق وماتبقى وهم الغالبية، جددوا عهد المحبة والولاء.
وتتابع: الكلمة سلاح أقوى من الرصاصة، اﻷولى تقتل النفس أو تحييها، والثانية تقتل الجسد وتميته لتبقى الكلمة ذات أصداء رنانة تحفزنا على ضرورة التماسك وحسن المواجهة، ﻷننا أمام مصير وطن وشعب له جذوره التاريخية وحضارته واسمه الكبير.
وعن دور الثقافة تقول: “الثقافة اسم له دلالاته وحضوره على الصعيد اﻷدبي والقومي، وقوميتنا العربية هي جزء من ثقافتنا إن لم تكن الكل، لذا علينا جميعا أن نعيد النظر في تربيتنا وسلوكنا وتوجهاتنا، بدءا من المدرسة وانتهاء بالجامعة وأماكن العمل.
التربية والتعليم لا تخرجان عن نطاق كلمة الثقافة، فالثقافة التربوية ضرورية جدا إضافة إلى التعليم في مناهجه التي تعتمد على الفن واﻹبداع والحكمة والوعي المعرفي والعلمي اﻷكاديمي.
وهذا لا يتم من جراء فراغ، بل يجب علينا أن ننشر ثقافة المعرفة وثقافة المحبة وثقافة قراءة اﻵخر / العدو، لنتمكن من الانتصار والذود عن حياض ورياض الوطن.
كل هذا يجب أن نوليه الوصايةوالاهتمام والاشتغال عليه بأمانة وذلك من خلال تعاون كل الجهات اﻹعلامية والثقافية لنعود كما كنا وأقوى، لنعود دولة الصمود والتصدي شاء من شاء وأبى من أبى”.

المثقف الحقيقي من يرفع الصوت عالياً
فيما ترى الأديبة ريتا بربارة أن دور”المثقف الحقيقي وواجبه يكمنان في أن يسهم في إعادة إعمار الإنسان السوري، أن يعرف أحلامه فيكتبها ويرسمها ويوصلها من خلال أدب يجذب المرء حينما يرى ما يحاكي الحلم أو ما يحاكي المعاناة أو ما يحاكي الحياة الاجتماعية”، وتتابع: “المثقف الحقيقي عليه أن يسلط الضوء دون مواربة أو خوف لمفاصل الخلل الحقيقي، وأن يرفع الصوت عالياً ليفصح عن مكبوتات الإنسان وآلامه وأحلامه، وأن يوجه البوصلة لتعميق الانتماء للوطن ومحبته والتضحية من أجله، وعلى المواطن أن يشعر من خلال الأدب والثقافة أن هذه البلد روحه المتجذرة في تربته وعرضه”. وتنهي كلامها بالقول: “المطلوب اليوم أن يستعيد الأدب والثقافة الدور الحقيقي لها باعتبارها مادة من الشعب بكل همومه وأحلامه ورؤاه ولكل الفئات لا أن تحاكي الثقافة بكل فروعها فئة على حساب فئة أخرى، فلو أخذنا من الثقافة الأمر الأكثر شعبية وهو المسلسلات، فلا نجدها تحاكي الواقع الاجتماعي للفئات الاجتماعية الوسطى لا من حيث الفكرة ولا من حيث المضمون، وعلى المثقف المناداة من خلال المحاضرات والندوات والأعمال الأدبية المتنوعة، والمطالبة بما يشعر المواطن بكرامته واحترامه ومكانته، وهذا لن يتم إلا إذا عمل المثقف الحقيقي على تمثّله ومن ثم الدعوة إليه والمطالبة به”.
رقم العدد ١٥٧٢٠

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار