الطفولة المنسية على أرصفة الواقع من المسؤول ؟ ” الأهل – المجتمع – الجهات المعنية ” .. ظاهرة تتفاقم وأسباب متعددة

 

الجماهير – جراح عدرة

دمعة مترددة ما بين البقاء مكانها أو السقوط من عيني محمد الذي لم يتجاوز الثامنة من عمره عندما سألناه عن سبب تواجده في الحديقة العامة في ذلك الوقت الذي دقت ساعته السابعة مساء حيث أن 500 ليرة سورية تحقق حلم محمد كما بيّن لنا من أجل شراء عدة قطع من البسكوت ليبيعها ويبدأ العمل ليساعد أمه المريضة بعد وفاة والده ويلبي متطلباته التي يتمنى الحصول عليها كبقية الاطفال .

دمعة مترددة ما بين عدم السقوط متحدية الواقع والمجتمع للحصول على المبلغ المطلوب وهنا هو (طفل متسول) وبين السقوط وفضح الحقيقة وهي الظروف المادية السيئة والعوز المادي بسبب فقدان أحد الوالدين أو سبب آخر وهنا (طفل متشرد ).

صفات عدة أطلقها المجتمع على هؤلاء الأطفال بدلاً من البحث عن سبب ضياعهم وما الذي دفعهم الى الشوارع والحدائق والأرصفة في كل الاوقات المتأخرة وغير المتأخرة من الليل و النهار وهل تليق سمة التسول بالبراءة التي شغلت منابر الشعراء والكتاب والأدباء والعالم بأسره ، لماذا نلقي اللوم عليهم دون البحث عن أسباب هذه الظاهرة ومحاولة وضع الحلول بدلاً من هدر الوقت وما السبب في تفاقم هذه الظاهرة دون إيجاد حل جذري قاطع .

الجمعيات تحتاج إمكانات وموارد أكبر

بين مجد قيمة عضو مجلس إدارة الجمعية السورية للتنمية الاجتماعية بحلب أن الجمعية تعمل على عدة برامج وخدمات للطفل تتركز على التوعية والتوجيه من خلال حملات توعية وبرامج توعوية عن طريق مراكز الجمعية المتواجدة في المدينة والريف التي بدورها تعمل على اكتشاف مواهب الطفل ومهاراته ومعرفة مكامن القوة لديه وعند اكتشاف الطفل لمواهبه وامكاناته ليكتشف ذاته وليتعامل بطريقة إيجابية مع المجتمع من خلال فرق مرشدين ومختصين في هذا المجال إضافة إلى وجود مذكرة تفاهم بين الجمعية ووزارة التربية لتقديم خدمات الجمعية في أيام العطل المدرسية الاسبوعية والصيفية.

كما نوه إلى مشاريع الجمعية التي تقوم على افتتاح مراكز اقامة مؤقتة للأطفال المشردين أو المتواجدين في الشوارع لسبب ما وتقديم الإقامة والغذاء والدعم النفسي والاجتماعي لحين ايجاد ذويهم أو إلحاقهم بدور الأيتام إن كان يتيماً ومنها مشروع (مركز المحطة) الذي توقف منذ أكثر من شهرين ، مشيراً إلى مشروع آخر (مركز إقامة مؤقت ) يتم تهيئته حالياً بالتعاون مع مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل ولكن المشروع لم ينفذ بعد .

وعن عدم معالجة ظاهرة ضياع الاطفال في الشوارع بشكل جذري فيرى أن هناك حاجة كبيرة للإمكانيات المتاحة سواء كوادر مختصة واعتمادات مالية لتغطية افتتاح مركز إقامة مختصة إضافة إلى التوقف عن متابعة العمل بسبب انتهاء المشاريع ريثما يتم التنسيق لمشروع آخر أو تقديم دعم لمشروع جديد.

الشؤون الاجتماعية : العوز هو السبب

مدير الشؤون الاجتماعية والعمل صالح بركات بين أن أغلب أسباب ضياع الاطفال في الشوارع والحدائق سواء تسول أو تشرد هي العوز المادي إضافة إلى الجهل والتخلف وفقدان الوعي لدى الاهل ، منوهاً إلى انخفاض معدل حالات تسول وتشرد الأطفال في مدينة حلب مقارنة بالمحافظات الأخرى رغم مخلفات الحرب الإرهابية الكونية وتأثيرها السلبي على الأسر والمجتمع .

وعن الإجراءات التي تتخذها المديرية لمكافحة هذه الظاهرة أوضح بركات أن المديرية وبالتنسيق مع قيادات الشرطة (شرطة السياحة) تقوم بتسيير دوريات على مدار اليوم لملاحقة ممتهني التسول والمشغلين للأطفال وإحالتهم للقضاء المختص أصولاً وعن حالات تسول أو تشرد الأطفال يتم الكشف عن الحالة وبالتعاون مع الجهات الأهلية والجمعيات الخيرية للتواصل مع ذويه ووضع الحلول المناسبة حسب الإمكانيات المتاحة وحسب طبيعة الحالة .

أما عن الاقتراحات لحل الظاهرة بشكل جذري يرى بركات ضرورة التنسيق والتعاون والتنظيم بين جميع الدوائر المعنية بالظاهرة وبمساعدة الجهات الاهلية والخيرية لعلاجها أو الحد منها.

استغلال الأطفال من قبل الكبار

رئيس مكتب مكافحة التسول والتشرد عطا درويش بين أن النسبة العظمى لتواجد الاطفال في الشوارع سببها الحاجة المادية فقد اقتحم الفقر بيوت الاسر نتيجة الحرب الارهابية الكونية والحصار الاقتصادي ، مضيفاً بأن مكتب مكافحة التسول استأنف أعماله بتاريخ 15/8/2019 وكانت التوجيهات التركيز على الجانب الانساني( أي حالة تسول كشف ميداني عن الوضع المادي وتحويل الحالة للجمعيات المختصة للتكفل بها ، أما إن كانت الحالة تسول عن قصد ومكررة يتم إحالتها الى القضاء ومن ثم اتخاذ العقوبات والاجراءات التي تتراوح بين الغرامة المالية والسجن وعليه يتم استغلال الاطفال والاعتماد عليهم في التسول.

وكشف درويش انه قانونياً لا يسمح إيقاف الطفل تحت سن 10 سنوات أو ما يسمى سن التمييز وهذا بدوره يشكل صعوبة الوصول إلى المشغلين المستغلين لهذه الشريحة من الأطفال فصلاحيات المكتب محدودة بكيفية وطرق التعامل مع هذه الشريحة للوصول إلى الأسباب أو وضع حل جذري ويقتصر الحل هنا على تسليمهم لذويهم أو احضارهم وتسليمهم للجمعيات ، منوهاً إلى العمل المشترك السابق بين مكتب مكافحة التسول ومركز المحطة حيث كان مكتب مكافحة التسول يسلم الطفل للمركز لينظر في أمره ويتم الكشف عن حالته ومن ثم علاج الحالة ، حيث تم معالجة عدد كبير من الحالات .

أما عن الصعوبات التي تواجه عمل المكتب ذكر درويش أنها تتلخص بخوف الأطفال من الباصات الخاصة بمكتب مكافحة التسول ومعرفتهم بها يدفهم للركض مما يؤثر على الوصول لهم ومعالجة أوضاعهم إضافة إلى أن بعض الجمعيات المختصة بهذا الامر لاستلام الأطفال تشترط ضبطاً قضائياً ومنها (جمعية رعاية المتسولين والمتشردين) وتساءل درويش: قانونياً الطفل لا يجرّم ولا يمكن توقيفه فكيف يمكن حل هذه المعادلة؟ .

ترتبط بتفكك الأسرة

رئيس قسم علم الاجتماع في كلية الآداب والعلوم الإنسانية الدكتور أحمد بحري اشار إلى أن اسباب الظاهرة أسرية ترتبط بتفكك داخل الاسرة وخاصة حالات حدوث الطلاق أو وفاة احد الوالدين أو كليهما أضافة إلى ضعف دور مؤسسات الرعاية الاجتماعية وعدم وجود برامج توعوية خاصة يتم نشرها سواء الإعلام الذي يكتفي ببعض المشاهد الدرامية وانحسار دور أئمة الوقف الديني و محدودية الانشطة الخيرية و ارتباط الجمعيات الخيرية ببرامج دعم مؤقتة .

ويرى الدكتور بحري وجوب الاستعانة بأخصائيين اجتماعيين ونفسيين من أجل التعامل مع هذه الظاهرة وضرورة تكامل الأدوار بين مختلف المؤسسات والأفراد من أجل انهاء هذه الظاهرة والعودة إلى أسباب المشكلة وحلها وتكثيف الندوات وحملات التوعية الموجهة للأسر وخاصة في مناطق السكن العشوائي.

المحافظة ترمي الكرة بملعب وزارة الشؤون

عضو المكتب التنفيذي المختص لمجلس محافظة حلب الدكتور حميد كنو يرى أن السبب الأكبر لهذه الظاهرة الظروف المادية السيئة التي تدفع بعض الأسر لتشغيل أطفالهم بعد أن خسروا جميع ممتلكاتهم وبيوتهم نتيجة الدمار الناجم عن تخريب المجموعات الإرهابية جراء الحرب الكونية أو بسبب غياب وفقدان الوالدين يتجه الاطفال إلى الشوارع ويمتهنون التسول .

ويرى كنو ضرورة تخصيص دور رعاية مؤهلة جادة ومقرات مجهزة للأطفال يتم وضعهم بها بشكل ولو مؤقت ريثما يتم التوصل لمعالجة الحالة بشكل دائم ، ويتساءل كنو ما نفع احضارنا للأطفال من الشوارع إن لم يكن هناك مراكز ايواء خاصة بهم فالمشكلة ستبقى عالقة مشيراً إلى ضرورة الدعم المادي وتخصيص المبالغ المناسبة لتأسيس دور مؤهلة خاصة بهم إضافة إلى تفعيل دور الجمعيات الخيرية بشكل أفضل نتيجة تقصير عدد من الجمعيات حيال هذه الظاهرة وهذا بدوره برسم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مضيفاً أنه لابد من اتباع خطة تنسيقية جامعة بين الجهات المعنية لعلاج هذه الظاهرة بعيداً عن انصاف الحلول والحلول المؤقتة .

الحبس لمن يدفع قاصراً للتسول

عضو مجلس فرع نقابة المحاميين بحلب المحامية روشان حاج احمد أوضحت أنه وفقاً للقانون السوري الجديد تم تعديل بعض المواد من قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148تاريخ 22/6/1949 والمتعلقة بمعالجة ظاهرة التسول ومنها المادة 599 التي تنص على أن المتسول الذي يستجدي في أحد الظروف التالية بالتهديد أو أعمال الشدة -يحمل اي وثيقة كاذبة – بالتظاهر بجراح أو عاهات – وبالتنكر على أي شكل كان – وباستصحاب ولد غير ولده أو أحد فروعه من هو دون العاشرة من العمر – يحمل أسلحة وادوات خاصة باقتراف الجنايات والجنح- بحالة الاجتماع مالم يكن الزوج وزوجته أو العاجز ومن يساعده .يعاقب بالحبس من سنة إلى 3سنوات مع التشغيل وبالغرامة من 25الف ليرة سورية إلى 50 ألف ليرة سورية فضلاً عن وضعه في دار للتشغيل إذا كان غير عاجز وبالحبس البسيط المدة نفسها إذا كان عاجزاً وأشارت المحامية حاج احمد إلى المادة 604من قانون العقوبات والتي تم تعديلها كما يلي (كل من دفع قاصراً دون الثامنة عشرة من عمره أو عاجزاً إلى التسول بأي طريقة كانت جراً لمنفعة شخصية عوقب بالحبس من سنة إلى 3 سنوات وبالغرامة المالية من 50 ألف ليرة سورية لـ 100الف ليرة سورية .

وتضيف حاج أحمد أن المشرع السوري حدد سن التمييز الجزائي للأطفال بتمام العاشرة فالطفل الذي لم يكمل العاشرة من عمره لا يعاقب قانونياً ففي هذه المرحلة ليس لديه الإدراك السليم للتمييز بين الخير والشر.

لنا كلمة :

في الختام من المؤكد أن يداً واحدة لا تصفق وجهة معنية واحدة أمام هكذا ظاهرة لا تكفي لحلها بالكامل ، حيث يعمل المتسولين البالغين وهرباً من العقوبات الصارمة نحو الأطفال والاعتماد عليهم في التسول لجلب المال كون القانون لا يجرم الطفل، وهنا يبرز غياب دور بعض الجمعيات والدوائر الأخرى التي لابد من وجودها كدور فاعل ومساهمتها بشكل أفضل إضافة للدور التربوي والديني ، ولا بد من الجلوس جلسة جادة بناءة على طاولة واحدة تجتمع فيها كل الأيادي لوضع خطة تنسيقية تشاركية بين المعنيين للحد من هذه الظاهرة الخطيرة تكون خطوة جريئة نحو حل نهائي ، وبالتالي حماية الأطفال والأسرة ككل من مرض مخيف قد يؤدي إهماله وتفشيه إلى عواقب وخيمة على مجتمعنا .

رقم العدد 15790

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار