عمال النظافة جهد مؤثر ومعنى حقيقي لنكران الذات

الجماهير – أسماء خيرو

هم لوحة حية من الحياة يشقون باب الفجر بسواعدهم المرهقة متأبطين المكانس يجرون عربات القمامة بين الأزقة والحواري تراهم بجباههم السمراء المجهدة التي يتصبب منها العرق وبأياديهم الخشنة يكنسون الشوارع والحارات منذ الصباح حتى المساء يكابدون بالصبر قسوة الحياة وآلامها، لايقيهم من غبار الأتربة الذي يخنق الصدور شيء، تلفحهم الشمس الحارقة صيفا والهواء البارد شتاء ، هم بشر ككل البشر، رؤوسهم مثقلة بهموم الحياة، عمال بسيطو الملامح والأحلام. وما كان من” الجماهير ” إلا أن تدنو وتسلط الضوء على من تلاحظه أعيننا بشكل يومي لتنقل للقارئ بعضا من ظروف عمل هذا الإنسان.
يقول عامل النظافة أبو محمد : عملي كل يوم يبدأ من الساعة الخامسة صباحا حتى الواحدة ظهرا، ورغم تنقلاتي الكثيرة والمتعبة بين ثلاث حارات إلا أنني أحب هذا العمل فأنا أكنس القمامة من الشوارع وأضعها في الحاويات وأحاول قدر المستطاع أن أبقي الشوارع والأرصفة نظيفة.
وبدوره عامل النظافة الشاب علي قال: لم أعرف كيف التحقت بهذا العمل كنت لم أتجاوز العشرين من العمر عندما توفي أبي، ومن بعده من يعيلني ومن يعيل أمي وأخوتي ؟ أسئلة لم تحيرني كثيرا لأني وبدون تفكير وجدتني أشتغل عامل نظافة. وببسمة متعبة أضاف في بادئ الأمر وجدت صعوبة كبيرة في كنس الأتربة والأوساخ من الشوارع ولكنني اعتدت فيما بعد، وأطلب أن يعاملني الناس بقدر بسيط من الإنسانية والرحمة، فبعض الناس ينظرون لعملي نظرة دونية ولكني باعتزاز أقول لهم :عملي ليس عيباً ولاينقص من شأني شيئاً، العيب أن أكون رجلا بلا عمل.

وأشار عامل النظافة أبو القاسم الذي يسكن في بيت بالآجار في منطقة المشهد ولديه ٦ أولاد وشاب شهيد إلى أن عمله شاق ومضن، وخاصة بعد أن بلغ الخامسة والخمسين من العمر فالقاطنون في الحي لا يحافظون على نظافة الحي فهو يقضي أغلب وقته في جمع أكياس البطاطا وفوارغ الكولا وأعقاب السجائر والمحارم والأوراق الممزقة التي ينثرها المواطنون فوق الأرصفة والشوارع.
أما صالح الذي يصحو مع الفجر ويبدأ بكنس الشارع الرئيسي الذي يمتد من سيف الدولة حتى جسر الملعب فقال: أكنس الشارع الرئيسي حتى السابعة صباحا ثم بعد ذلك أبدأ بكنس الشوارع الفرعية حتى الواحدة ظهرا ومع ذلك هناك بعض المواطنين يعاملونني بقلة احترام ومعظم القاطنين في الأحياء التي أنظفها لايهتمون لموضوع النظافة فهم على الدوام يرمون القمامة هنا وهناك. وقد طالب بعدم رمي القمامة خارج الحاويات لأن هذا الأمر يسبب له الكثير من التعب إضافة إلى هدر الوقت فهو يحتاج إلى وقت طويل لكنس القمامة التي تتناثر حول الحاويات.
فيما يوافقه الرأي عامل النظافة أبو فريد إذ يقول: المواطنون تنقصهم ثقافة النظافة، بيوتهم نظيقة ولكنهم لايحافظون على نظافة الشارع أوالحي. مضيفا: نحن كعمال نظافة نحتاح لأن يساعدنا المواطن فقط بأن يلتزم بتوقيت رمي القمامة وألا يرمي القمامة في الشوارع وعلى الأرصفة وفي الحدائق أو من على الشرفات، هذه الفوضى تتسبب في تعبنا وإرهاقنا، فنحن نعمل حتى ساعات متأخرة، ومع ذلك لا نجد من يقدرنا ولانصل إلى النتيجة المرجوة من عملنا ألا وهي بقاء الشارع أو الحي نظيفا. على المواطن أن يكون مسؤولا أكثر وأن يهتم أكثر.

فيما أبو أحمد الذي كان يبدو عليه التعب والإرهاق من كنس الشوارع فقد حدثنا عن الحالة المتدنية التي يعيشها نتيجة ضعف الراتب الذي يتقاضاه من عمله والغلاء المعيشي، مشيراً إلى أنه تقدم في العمر ولا يستطيع أن يعمل عملا آخر كي يزيد به دخله وخاصة في هذه الظروف التي تشهدها حلب فالراتب يكاد يسد رمق جوعه حتى أنه لايسد احتياجات من يعيلهم ..
وبالنظر إلى ما سمعت الجماهير من ظروف هؤلاء العمال الذين على مايبدو لاشيء يقيهم من ظروف عملهم القاسي وينتشلهم من ظروف معيشية متدنية حري بالجهات المعنية أن تنظر بأمرهم لتحسين أوضاعهم المعيشية كما من الواجب على كل فرد في المجتمع أن يولي هذا العامل الذي يعمل دون كلل أو شكوى أو ملل من الصباح حتى المساء وخاصة في وقتنا الحاضر القدر الكبير من الاهتمام وأن ينظر لهم بعين الاحترام والتقدير .
رقم العدد ١٦٠٢٩

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار