تراجع اهتمام المجتمع الحلبي بمظاهر العيد.. أكاديميون: العيد أصبح ترفاً يرهق الجيوب والغلاء السبب الجوهري
الجماهير – أسماء خيرو
العيد الذي لطالما حمل بين طياته الصورة المتفائلة إذ كانت تبتسم لقدوم أيامه قسمات الوجوه، في وقتنا الحاضر فقد صورته المتفائلة وبريقه المعهود ليصبح كسائر الأيام فلم يعد هناك ضرورة للاحتفال بطقوسه وعاداته، ولأول مره منذ عقود شبه خلت الممارسات الاجتماعية التي تصاحبه من زيارات – وصنع المعجنات – وشراء الألبسة – وتقديم العيدية – والخروج إلى الملاهي ،والحدائق، والمطاعم، لم تعد تحظى بالأهمية وغابت من قائمة أولويات المواطن الحلبي. وبالطبع كل هذا يعود لأسباب جوهرية ..
ولكي نقف على الأسباب ونعرف ما الذي أوصل العيد إلى أن يكون على هامش قائمة أولويات المواطن الحلبي كان لابد” للجماهير “من سؤال بعص المثقفين والأكاديميين عن ظاهرة تراجع اهتمام المجتمع الحلبي بأيام العيد .
يقول الأكاديمي وسام حبيب: أولا يجب أن نتحدث عن إرهاصات هذه الظاهرة التي تتمثل بتكنولوجيا المعلومات ووسائل الإتصال التي دخلت لكل بيت، وبدأت تتبلور وتنعكس على بعض العادات والتقاليد التي نشأ عليها المجتمع السوري ،وهي طبعا تقاليد فيها قيمة إنسانية وأخلاقية ، تنتقل من جيل إلى آخر وتتمثل في الحميمية والمحبة دون انتظار مقابل.
إذ يمكن القول إن المجتمع الرقمي والاتصال عن بعد من خلال الرسائل والمناسبات نسفت كل أواصر العلاقات المقربة ، وبالتالي أصبحت مشاعر الفرح والعزاء تتم من خلال رسالة نصية أو عبر تطبيق “الواتس آب “وطبعا أنا هنا لا أنكر الناحية الإيجابية لهذه التكنولوجيا.
الحالة المعيشية للمواطن التي تمثلت بالغلاء وخاصة في الأعياد بسبب ارتفاع أسعار جميع السلع سواء الغذائية أو الكمالية يعد سبباً آخر جعل المواطن يعتبر أيام العيد كأي يوم عادي. وبالطبع يمكن أن أقول عنه إنه سبب جوهري لهذه الظاهرة إضافة إلى أسباب كثيرة خلفتها الحرب على سورية وانعكست على المواطن السوري عامة والحلبي خاصة .
ولن أتكلم على قانون قيصر، الذي يعتبر من الأسباب البعيدة لظاهرة عدم الاهتمام فمن وجهة نظري من المفترض أن تكون هناك بدائل لكل الاحتمالات والمؤثرات الخارجية ،وأن يكون هناك قدرة على إيجاد حلول وبدائل .
وأخيرا وبعيدا عن الاطالة ولكي لانضع أصابعنا على عيوننا ونتحدث بالمثاليات وكيفية اجتراح الحلول غير الواقعية، فالأعياد بالنسبة للمواطن السوري أصبحت في وقتنا الحاضر للإنسان الذي يستطيع أن يؤمن لقمة عيشه ،وقوت عائلته، وبعد ذلك يمكن أن يفتح ملف الأجواء الاحتفالية، والمناسبات ،والأعياد ، لأنها أصبحت ترفاً يرهق الجيوب، ويضغط على الأعصاب، ولذلك لم تعد الأعياد من أولويات المواطن ، وبالتالي ضعف الشعور الجميل بالمناسبات وأصبح الاهتمام بها تكلفا .
نور الحميدي دكتورة في كلية الاقتصاد في جامعة حلب تقول : العيد يعني الفرح والزيارات المتبادلة، والاجتماع ،والذهاب إلى المطاعم، والملاهي، ولكن هذه الممارسات لم تعد تحظى بالاهتمام في وقتنا الحاضر بسبب الخوف من الإصابة بفيروس كورونا، لذلك ضعف الاهتمام بأيام العيد، ولم يعد هناك ضرورة للالتزام بهذه العادات ، مؤكدة أن الوضع الاقتصادي المتمثل بالغلاء الفاحش هو السبب الرئيس لتراجع اهتمام المجتمع بأيام العيد، فالغلاء مع تدني الأجور، أدى إلى تدني المستوى المعيشي للمواطن الحلبي، لذلك الغلاء جعل المواطن في وضع حرج فلم يعد قادراً على تلبية الحاجات الأساسية فكيف بحاجات العيد من “طعام ولباس ” فالعيد باعتقادي بات هماً على كاهل المواطن الحلبي ، يرهق أنفاسه لذلك فقد معناه الذي لطالما حظي به وأصبحت أيامه عادية كسائر الأيام .
وأحد الأسباب لعدم الاهتمام بأيام العيد كانت عند غادة خربوطلي باحثة في علم المجتمع وصعوبات التعلم أن أجواء العيد من شراء الملابس، وصنع المعجنات، والزيارات خلال أيام العيد، وتقديم العيدية للأطفال لها خصوصية يجب الاحتفال بها ،ولكن ماخلفته الحرب من مآس ترك أثراً سلبياً في نفوس المواطنين أدى إلى ضعف الاهتمام بأيام العيد، فلا توجد عائلة حلبية إلا وفقدت أحد أفراد عائلتها ، إما بالشهادة وإما بالهجرة إلى الدول الأوروبية، والعربية ، لذلك فقد العيد الاجتماع والزيارات العائلية، والكثير من الممارسات التي تسبق أيام العيد مشيرة إلى أن تزايد ضغوط الحياة التي فرضها الغلاء أفقد المواطن الحلبي الاتزان وطعم الراحة كما أفقده شعور الفرح والسعادة الذي يصاحب أيام العيد، فلم يعد هناك اختلاف كبير بين العيد وباقي الأيام حتى أن أغلب عاداته استغنى عنها وأحدثها عادة “الأضحية ” التي لم تعد في مقدرة المواطن الحلبي الشرائية .
وختام القول ومما سبق نجد أنه تعددت أسباب تراجع اهتمام المجتمع الحلبي بأيام العيد، ولكن النتيجة كانت واحدة ألا وهي فقدان العيد لمعناه ولبريقه المعتاد الذي حظي به على مر عقود من الزمن. ولكن بالرغم من ذلك ستظل أيام العيد تذكرنا بأيام مليئة بالحياة والحيوية الوثابة التي كانت تمتد وتنبسط أمام أعيننا عندما كنا نجول أزقة وحارات حلب التي ستظل تذكرنا بأحاديث الطفولة وبأيام الصبا وبلقاء الأحبة ..وكل عام وأنتم والوطن بألف خير .
رقم العدد ١٦١٢٢