خان الوزير..وحكايات تروى ..هل يعود الى ألقه .؟؟

 

وفاء شربتجي

هو من أشهر الخانات ضمن المدينة القديمة في حلب ، فقد أوقف والي حلب آنذاك ” مصطفى باشا ” مالاً لبناء هذا الخان عام 1683 م ، كي تحط القوافل رحالها فيه ، القادمة من البصرة و بغداد ، ثم أصبح ( مصطفى باشا ) بعد ذلك كبير الوزراء ، لذلك سمي الخان بخان الوزير .
يقع خان الوزير شرق الجامع الأموي، باتجاه الطريق المؤدي إلى قلعة حلب، جانب بريد خان الوزير حالياً، وجانب جامع الفستق المسمى (الصحابية) .
مساحة هذا الخان تقدر بحوالي /4100/ م2 .
يتألف من حوالي /80/ غرفة موزعة ما بين علوية وسفلية مفتوحة على صحن الدار الواسع، يحوي في وسطه على موضأ مسقوف بقبه، وبئر للماء وصحن حجري لشرب الدواب سابقاً ، وقد استحدث لاحقاً جانب هذا الموضأ ،قبل حوالي /200/ عام غرفتان علويتان يصعد إليهما بدرج ..
لا يحوي هذا الخان على جامع أو مسجد داخله ، لقرب جامع الصحابية منه .


باب الخان الأمامي مصفح ، وخشبه من نوع هندي غير قابل للتسوس ، مزين بمسامير حديدية بلدية ، يوجد على باب الخان الكبير طرف اليمين فتحة باب صغيرة تدعى (الكوخه) ، يستطيع المرء الدخول منها إن أُحكم إغلاق الباب الكبير .
يوجد فوق هذا الباب الكبير في الواجهة الخارجية قنطرة كبيرة تعلوها نافذتين علويتين وعدد من مزاريب المياه ، يتناوب فوق تلك القنطرة لون الأسود والأصفر ، ودائرتان طرفا اليمين والشمال ، تحوي الدائرة طرف اليمين على شكل أسد ضاحك ، والدائرة طرف الشمال على أسد باكي ، يقال الأسد الضاحك يرمز إلى استقبال الضيوف أما الباكي يرمز إلى وداع الزائرين ، ومنهم من يقول أنها كانت تمثل شعار الوزير باني هذا الخان .
كما يوجد على جانبي الباب الخارجي قاعدتين من حجر تستخدم للجلوس ، أو لتسهيل الصعود منها على ظهور الدواب ، كما أنها تساعد على تحميل البضائع أو حتى إنزالها .
على يسار هذا الباب الضخم الجميل ، يوجد قسطل للماء تعلوه أقواس منحوته ذات نقوش بديعة ، وعلى يساره فتحة صغيرة أرضية كانت تملئ بالعلف لإطعام الدواب ..
يحتوي مدخل هذا الخان على أربع غرف ، وغرفتان صغيرتان بعد الباب الكبير مباشرة ، كان يستخدمها ” الأضوباشي ” قديماً للحراسة ، كما يحتوي على درجان يؤديان إلى الطابق العلوي يسميان بالدرج الدوار يؤديان إلى دهاليز طويلة توصل إلى الغرف تعلوهم قباب جميلة الشكل ، كما يوجد درج آخر يقع في مواجهة مدخل الخان .


أما بالنسبة للواجهة الداخلية للخان ، والمطلة على صحنه ، تحوي على قنطرة بديعة ذات نقوش هندسية ، يتناوب على حجارتها لونا الأسود والأبيض يتوسطها دائرة على شكل شمس ترمز إلى الحياة ..
كما تحتوي على نافذتين أطرافها السفلي مزينة على شكل جديلة حجرية تعلو تلك النافذتين ، طرف اليمين هلال وطرف اليسار على شكل صليب ترمز إلى دليل التسامح بين الأديان .
كانت الغرف العلوية في هذا الخان تُستخدم كفندق ، والسفلية للبضائع وإسطبل للجمال والخيل والبغال ..
كما يوجد داخل بعض الغرف العلوية غرف داخلية ، يعني غرفة داخل غرفة ، وفي الغرفة الخارجية يوجد مدفئة من حجر عمرها تقريباً /400/ عام .
كانت التجارة رائجة جداً في هذا الخان ، وكان يوجد داخله معمل ورق السجائر لصاحبها ( رباط ) ، ومعمل للشمبانيا ، وبنك ( مكربنه ) ، وومعمل تريكو بيت ( الوالي ) الذي يمتلكون خمس غرف حجري ملكهم الخاص ، ومحلاً لـ ( شوكت عزيز ) للأقمشة.


مازال الخان على مر الزمن ، يحمل الصفة التجارية ، كما كان يوجد داخل هذا الخان قبل عام 2012 قنصلية سويسرية ، والقنصل الفخري لها يدعى ( بولص مكربنه ) إضافة إلى ممارسة التجار لمهنتهم صناعة الأقمشة ، فقد كانت قديماً على النول العربي ، ثم استحدثت بالماكينات الكهربائية الحديثة ، إضافة إلى الألبسة القطنية منذ عام 1948 حتى يومنا هذا ثم نقلت المعامل إلى المنطقة الصناعية بحلب وبقيت المعامل القديمة حتى يومنا هذا تحكي عن الماضي التجاري العريق لهذا الخان .
وفي عام /2011/ زمن الحرب الجائرة علينا وما آل من خراب وتدمير لحلب ، لم يستطع الإرهابيون الدخول إلى هذا الخان لوجود الجيش العربي السوري المغوار داخل القلعة .
وفوق هذا فقد ساعد الجيش أصحاب الخان على ترحيل بضائعهم حرصاً منهم عليها ، وبالفعل لم يخسر أي تاجر أي شيء ، وبقيت جميع الآلات والماكينات والمعامل القديمة محافظة على وضعها تماماً ولم يتأذى بنيان الخان كذلك ..


التقيت ضمن هذا الخان حالياً بصاحب محل لبيع الجوارب يدعى ( محمد نجيب شيخ قروش ) حدثنا عن نفسه قائلاً : أنا في هذا الخان منذ أن كان عمري سبع سنوات أحببت تلك المهنة و ورثتها أباً عن جد ، وبعد الأزمة عدت إلى محلي هذا وكلي شوق له ، متمنياً عودة باقي أصحاب المحلات كي تعود الحياة إلى هذا الخان كما كانت في السابق .
كما حدثنا الحاج راتب دهان ( أبو الليل ) ، عن الخان بالتفصيل ، وعن عشقه لهذا الخان منذ صغره حتى الآن ..
وعن مهنته الأساسية أضاف ، أنا أعمل على تصليح ماكينات ( السكولير ) للألبسة الداخلية ، بالإضافة إلى عملي بالتجارة ضمن تلك المهنة ، التي زاولتها أكثر من /40/ عام .
وشرح لنا عن المكان مطولاً باسترسال وحب وفهم لطبيعة هذا الخان وتاريخه ..
وأنهى حديثه بموال شجي يصدح حباً لمدينة حلب ..أملاً بعودة الخان كما كان عامراً مزدهراً بأصحاب المهن ..
وختم بابتسامة قائلاً ، كنا ملوك التجارة ولازلنا ، وسوا رح منعمرها من جديد ..
حلب أيقونة حب وجمال عبر الأجيال كانت وستبقى بإذن الله .


رقم العدد 16247

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار