● محمود جنيد
رغم أن مقدمات المعاناة العضال مهدت السياق ، إلا أن وقع الخبر كان صادماً ..!! أعلنه الوجوم الصارخ ..وباحت به جدران و أروقة “الجماهير” الدامعة التي ألفته وألفها طوال رحلة عمر امتدت لثمانية عشر عاماً ..حتى مكانه وأشياءه التي خلفها وراءه في “الجريدة” متوجهاً إلى ساحة المعركة الطويلة المسماة ( مستشفى) مع مرضه الخبيث، وصلها أنين النحيب …”رحل سمير” ..!
سمير أحمد إبراهيم، الذي كان واحداً ممن شهدوا ولادة قلمي في “الجماهير”.. أغمض عينيه على طيف الذين لم يمروا به لإلقاء تحية الوداع .. الحرب العبثية اللئيمة، قطعت رحمه الذي تناثرت أبعاضه بين هنا وهناك كما فعلت بالكثيرين منا، دون أن يكون هنالك سبيل للوصال.. قبل أن يرتحل بحسرته إلى حيث لا هناك إلا هناك، تاركاً وراءه أثراً جميلاً ..يزكي ذكراه.
“أبو أحمد” العفيف الطيب الذي أحبه الجميع لم يغدوا وحيدا غريباً..لأن أسرته الثانية ” الجماهير” كانت حوله طوال الوقت قبل وبعد الرحيل.. قلوب كبيرة نابضة بحسّ و حسنة التكافل الذي نفتقده في أيامنا هذه .. قامت بالواجب على أكمل وجه.. حتى تراءت لنا أنوار الرضا المنبعثة من محياه ونحن نلقي النظرة الأخيرة، وكأنها رسالة لمن صلى على روحه، وعانق جسده المسجى من الرفاق الأوفياء.
كان سكون الموقف الجلل مخيماً .. لم أعد أسمع أو أرى شيء من حولي ..بعد أن أسرني ذلك المشهد الرهيب المهيب الذي أرعد فرائص نفسي ، رغم أن الحياة التي نعيشها أصبحت أشد رعباً ..شواهد قبور على امتداد البصر، لمن أدركتهم مصيبة الموت الذي يستوي فيه الجميع، وتساءلت في نفسي هل نعتبر، وكفى بالموت واعظاً ؟ هل نصلح فساد قلوبنا ونفوسنا ( مواطنين و مسؤولين و أصحاب نفوذ و متسلطين، الفاسدين منهم و المُفسدين ..) لنتمكن من مجابهة أزمتنا، والصبر على بلوانا والانتصار على ظروفنا..؟!
كنت أحدث نفسي، بتُرّهاتي المضحكة لمن يلهث وراء الدنيا وكأنه يعيش أبداً، وأجبتُني بأنني سأحاول.. قبل أن تداهمني الفكرة التي تواردت قبل يوم مع الحدث و كأنها وكأنها تمهيد لشيء من قبيله، إذ عاجلني ليلتها أحد الأصدقاء بالقول فجأة ودون أي مناسبة وخارج السياق الذي كنا نتحدث فيه : ” أبو توفيق بتعرف أنو أكتر شيء مكدر علي عيشتي ” المسخّمة ” فكرة أنّو إذا توفيت أنا أو أحد أفراد عائلتي مافي قبر يأوينا عايشين من قلة الموت ..وفرنك ما في بجيبتي أو تحت بلاطتي).!!!
ارتحت “يا سمير” رحمة الله عليك.. “اللهم لا تحرمنا أجره و لاتفتنا بعده واغفر لنا وله”..
رقم العدد ١٦٣٠٣