• وفاء شربتجي
يقع سوق الحراج ضمن المدينة القديمة ، غرب سوق الصابون .
بدايته من أمام خان الصابون ضمن سوق المناديل جهة الشمال ، ونهايته عند التفرّعات الثلاث لسوق الصياغ .
يمتاز هذا السوق بعلو سقفه الذي يبلغ ارتفاعه حوالي ” ١٢ ” متر ، وباقي أسواق المدينة يصل ارتفاع معظمها من ٣ إلى ٤ أمتار ، كما يمتاز أيضاً بسعة عرضه وطول رواقه الذي يصل إلى حوالي ١٥ متر .
يحوي هذا السوق على ٣٣ محلاً تجارياً موزعاً على كلا الطرفين .
سميّ بالحراج لأنه قديماً كان يباع فيه المخرجات الحراجية من الغابات كالحطب والفحم ثم تحولت تجارة هذا السوق إلى الألبسة كالشراويل والقنباز والصدريات وغيرها ..
وفي سبعينيات القرن الماضي تألق هذا السوق و أصبح يضم بداخله كافة أنواع السجّاد العجمي والبسط والأواني الزجاجية والنحاسيّة والشرقيات والفضة وغيرها .
إلّا أن الحرب الجائرة على مدينة حلب عام /٢٠١١/م نالت من هذا السوق الكثير ، حيث أقدم الإرهـ.ـابيون على هدمه ولم يتبق منه إلا أكواماً من الحجارة المصطفّه فوق بعضها البعض تنتظر بفارغ الصبر عودتها لمكانها القديم .
وقد التقيت بالسيد ( سليم نعنوع ) وهو من أصحاب المهن داخل سوق الحراج سابقاً ، وحالياً هو متواجد في منطقة العزيزية .
سألته حبذا لو تعرفنا عن مهنتك .
أجاب : مهنتي هي بيع وشراء ورتي السجّاد العجمي القديم الذي كان يأتينا من إيران
وهنالك أنواع محببة لأهل حلب ( كالكاشان ، والأصفهان ، والتبريز ، والبلوش الذي كان يوضع فوق أرائِك الجلوس ، والهمدان الذي يتميز بألوانه القبليّة .
من أنواعه (الملاير والفرحان) .
كما يوجد أنواع أقل جودة من العجمي يدعى الأفغاني مثل (شلفات الصلاة)
ثم أدخل صنف آخر يدعى (الكليم) ، والبسط بكافة أنواعها من عجمي وتركي وروسي لإرضاء كافة الأزواق من السيّاح اللذين كانوا يفضلون إقتناء الهدايا الشرقيّة من هذا السوق .
وبعد ذلك أُدخل إليه بعض أنواع السجّاد الوطني الآلي ( السجّاد الحلبي ) وهو من انتاج معمل ساتكس ، حيث شهدنا ارتفاع الطلب عليه لدى الحلبيين لجودة صنعه وجماله وسعره المقبول .
كما راجت البسط الحلبية المصنوعة من الصوف الطبيعي والنسيج اليدوي .
وضم السوق أيضاً عدة محال لبيع الفضيات والشرقيات التي تحوي على مجموعة من الشالات والسوزانيات الرائعة ، وبعض التحف القديمة من أوبالين وصدفيات وانتيكات قديمة .
ويستذكر السيد “نعنوع” ؛ من أصحاب المحال القدامى حاج محمد مصفي العسل ، حج هاشم مشلّح ، يحى مشلّح ، عبد الحميد مشلّح ، أسعد مشلّح ، عز الدين مشلّح للبسط والسجّاد الآلي ، أبو علي شيط ، عبد الغني شيط ، عقاد ، شريفة ..الخ
ويتابع السيد “نعنوع” حديثه شارحاً لنا عن طبيعة مهنة رتي أو ترميم السجّاد قائلاً :
تحتاج تلك المهنة إلى الصبر و الدقّة ،
والترميم هو إعادة القطبة إلى مكانها الصحيح بعد أن تآكلت بفعل الزمن .
ونعتمد بعملنا على أدوات بسيطة ، والأهم من ذلك الموهبة والإبتكار والمهارة والذوق الرفيع علّنا من خلالهم نستطيع أن نعيد رونق عمل الماضي كي تبدو لنا وكأن الزمن لم يمرَّ عليها .
ويختم السيد “نعنوع” حديثه متدثراً بذكريات السوق الجميلة ، متمنياً عودته وأصدقاءه إلى سوقهم المليء بعبق التاريخ وأصالته بأقرب وقت لأنه يعني لهم الكثير لما يحمله من ذكريات الطفولة ، كون معظم أصحاب تلك المحال توارثوا محالهم جيلاً بعد جيل .
كما نتمنى عودة إعمار ما تأذى من باقي الأسواق لتعود عجلة الحياة لمدينة كانت ولازالت من أقدم المدن المأهولة عبر التاريخ .