سوق باب قنسرين .. محاطاً بالعديد من المباني الأثرية والمدارس والجوامع والمقامات

وفاء شربتجي

لمدينة حلب القديمة تسعة أبواب منها باب قنسرين ، بناه سيف الدولة الحمداني وتم تجديده أيام الملك الناصر عام (٦٥٤) للهجرة .

يقع في منطقة حلب القديمة، محاطاً بالعديد من المباني الأثرية والمدارس والمساجد والجوامع والمقامات .

وكلمة “قنسرين” تعني باللغة السريانية ( قن النسور)   .

نعبر هذا الباب المهيب في تاريخه وعظمته حيث يتصدر المكان ضريح الشيخ “خليل الطيار” وهو ولي من أولياء الله الصالحين ، ثم ينحرف الطريق نحو اليسار وعند نهاية هذا المدخل يتفرّع عن يمينه طريقٌ يؤدي إلى قلعة “شريف” ، وسرايا ”إسماعيل باشا” ، وساحة “البزّة” .

وطريق آخر من جهة اليسار يؤدي إلى سوق “الجلّوم” .

ونحن هنا لا نتجه يميناً ولا يساراً بل نتابع طريقنا المستقيم إلى سوق باب “قنسرين” الذي يتألف من حوالي أربعين محلاً تجارياً موزعاً على كلا الطرفين .

كان يوجد فيه قديماً أربعة دكاكين لبيع اللحوم ، وأفراناً للخبز الطازج ، ومحالاً لبيع الحلويات الشعبية ، وبائعاً للمثلجات ، وعدداً لابأس به من بائعي  الخضرة ، ومبيّضاً للأواني النحاسية ، والعديد من الحلاقين .

ومع تقدّم الزمن تغير مضمون هذا السوق فأصبح يُباع فيه الأقمشة ، والألبسة ، وتميز بتجارة الخيوط الصناعية ، كما أصبح يضم فرناً للمعجنات ، وحلواني  ..الخ .

نتابع مسيرنا ضمن هذا السوق الطويل بما يعرف باسم “حي قنسرين” فيطالعنا من جهة اليسار جامع “الطرسوسي” الذي أنشأه القاضي “محمد عبد الصمد الطرسوسي” وذلك في عام /٥٤١/ هجري  /١١٤٧/ ميلادي .

في عهد الملك العادل” نور الدين محمود ابن عماد الدين الزنكي” ،  في العهد الزنكي .

وبجوار هذا الجامع يقع فندق “المنصورية” ،  ثم المدرسة “الأسديّة” التي بناها “أسد الدين شيركو” ، عم “صلاح الدين الأيوبي” ، والتي تأسست عام /٥٦٤/ هجري ، /١١٦٨ / ميلادي ،

ورممت في العهد العثماني عام /١٣١٦ / هجري /١٨٩٨/ ميلادي .

ويقابل المدرسة الأسديّة زقاق يوصلنا لجامع “الرومي” .

نتابع مسيرنا نحو الأمام ليطالعنا حمام “الجوهري” الذي يقابله جامع “الكريمية” ، ثم يليه مسجد “الإسكافي” ، ثم بيمارستان ” الأرغوني الكاملي” ، الذي يعد بمثابة مشفى أو مصحة آنذاك .

بني البيمارستان “الأرغوني” عام /٧٥٥ / هجري ، /١٣٥٤/ ميلادي على يد “أرغون الكاملي” نائب السلطنة المملوكية في حلب .

وقد كُتب على واجهته (بسم الله الرحمن الرحيم من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها )

أمر بإنشاء هذا البيمارستان المبارك أيام مولانا السلطان الملك ” الناصر محمد بن قلاوون” .

ويقابل هذا البيمارستان مصبنة “الجبيلي” لصناعة الصابون الحلبي ، ويحاذي تلك المصبنة جهة اليسار حارة ضيقة طويلة تدعى حارة ” الركبي” .

وينتهي بنا هذا السوق عند تموضع ثلاثة خانات عريقة وهي:

١- خان “القاضي” الملاصق لمصبنة الجبيلي .

يُعتبر من أقدم خانات حلب أنشأه قاضي حلب كمال الدين المعري عام /٨٥٤ / هجري ، /١٤٥٠ / ميلادي .

نُقش على حجر بابه الخارجي أربعةَ سطورٍ تنصُّ على إبطال دفع الضرائب على مبيعات نصارى بلدة “قارا” من القماش والتمور في مدينة حلب ، أيام القاضي “مُحب الدين الشحنه” .

يحوي هذا الخان على /٣٠/ غرفة علوية يُصعد إليهم من خلال درج حجري عتيق يتموضع ضمن فسحة مدخل هذا الخان ، و/٢٥/ غرفة أرضية يتصدرها قاعة كبيرة ، وجميع تلك الغرف مشرفة على صحن هذا الخان .

كان يستعمل قديماً كنُزل في طوابقه العلويّة، وفي غرفه الأرضية تعرض مختلف البضائع .

وحديثاً أصبح مستودعاً لصابون “مصبنة الجبيلي” الملاصقة له .

٢- خان “صلاحيّة”

سميّ بذلك لأن من سكنه كان من عائلة “صلاحيّة” ، استعمل قديماً فندقاً كباقي الخانات ومستودعاً لعرض البضائع في الغرف الأرضيّة.

ثم تغيرت طبيعة عمل هذا الخان مع الزمن وأصبحت تضم ورشات للخياطة في الطابق العلوي وورشات لتصنيع  وبيع الأحذية في الطابق الأرضي .

يحوي هذا الخان على /١٥/ محلاً في الطابق العلوي ومثلهم في الطابق الأرضي ، كما يضم ثلاثة. أقبية .

ومن أصحاب هذا الخان المختصون ببيع الأحذية السيد “محمود عزيزي” حيث توارث محله ومهنته أباً عن جد.

السيد “عبد الله رشيد” ، السيد “ياسين علّاف” ، السيد “زكريا مصري” ، الحاج “ظافر دباغ”،و السيد “محمد عقاد” الذي اختص ببيع الخيط والأقمشة .

٣- خان “فنصه”

سمي بخان فنصة لقاطنيه من عائلة “فنصه”.

يحوي هذا الخان على حوالي تسعة غرف علويّة ومثلهم أرضيّة ، وأربعة أقبية .

استخدم هذا الخان قديماً  كباقي الخانات كما ذكرنا سابقاً ،

ومنذ سبعينيات القرن المنصرم حتى يومنا هذا أصبح يضم ورشات للأحذية والأقمشة .

ومنهم من اختص ببيع المطرزات والأغباني مثل السيد “نزير عقاد”.

وبهذا نستطيع القول بأننا قد انتهينا من سوق باب “قنسرين” الطويل لنبدأ بالدخول إلى سوق “المحمص” الشهير .

تضرر سوق “باب قنسرين” أو “حي قنسرين” وما يضمّه من سوق وخانات ومساجد الخ ..  جراء الحرب الجائرة على مدينة حلب من قبل الإرهابيين عام /٢٠١٢/ م .

 

آملين ترميم ما تدمّر من أوابد أثرية التي مازالت تعبق بأنفاس تاريخنا العريق عبّر الأجيال .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار