زُهيدة هورو
ودائما لموسيقيي ومطربي الجيل المخضرم من الزمن الجميل حضورهم المهيب و الخاص , ولو مر الزمان فإنهم يبقون وأعمالهم راسخين في الذاكرة ومن جيل لآخر، كيف لا ولهم الفضل بصناعة الفن السوري العريق وتصديره للخارج بأبهى وأرقى صورة ببصمتهم الإبداعية الأصيلة والتي أهلتهم ليكونوا سفراء للفن السوري العريق في العالم كله ليصدحوا بتألقهم وبتميزهم الفني مجسدين النجاح بأعمالهم اللافتة والمبهرة .
فمن هؤلاء المخضرمين الفنان السوري موفق بهجت والذي شكل ظاهرة فنية من المحال بأن تنسى أو حتى تقلد وتكرر فمن المزج مابين كل ما امتلكه من إبداع كان هو وفنه ترجمة حقيقية للفن السوري الأصيل، فإلى جانب تميزه الغنائي كان الكاتب تارة والمخرج تارة أخرى وأيضا كان الملحن حيث و بأنامله دون نوتات صيغت على هيئة ألحان أجادها لأعمال تغنى للعديد من كبار المطربين، منهم السيدة فيروز، ولأنه حالة فنية استثنائية فقد لقب بألقاب عدة وهي ( توم جونس العرب ، الفنان الذي سبق عصره، عندليب الشام، مطرب الياسمين ) والكثير من الألقاب التي استحقها المخضرم موفق بهجت .
فبرغم من غيابه مازال حاضرا بيننا بكل ماقدمه من تميز فني لافت خاصة أعماله الغنائية التي لازلنا نرددها وليومنا هذا ويتغنى بها الكثير من مطربي سورية والعرب.
الفنان موفق بهجت وبحوارٍ شائق معه تطرقنا لعالم الذكريات ولحديث الذاكرة ولمحطات من حياته الفنية المهمة والغنية بإلانجازات المشهود فيها بالنجاح والتميز .
حديث الذاكرة
والبداية بالمرور على شريط الذاكرة و عن الذكريات، إذ يقول بهجت بأنه ولد ونشأ في بيئة محافظة بعاداتها الشرقية الأصيلة وبأن جده عند ولادته بنى مسجدا وذلك لما أقسمه من يمين وندر على ولادة حفيده، كما حظي بأبوين عظيمين ومعطائين مؤكدا تعلقه الكبير بوالدته والتي لم تكن تمتلك شهادات تعليمية إلا أنها تحلت بالذكاء والحنكة والكثير من العلم لكن بقالب آخر فهي الحكيمة والمربية المعطاءة بقدرتها على تربية سبعة أولاد بالاعتماد على نفسها بعد رحيل والده .
ليكمل بأن الأيام مرت وقد غدا شابا و بمقتبل العمر حيث ميله الثقافي والفني كانا واضح المعالم من خلال القراءة والكتابة والاطلاع وأيضا السماع والاستمتاع بالموسيقا ككل خاصة الكلاسيكية منها إلى جانب تعمقه الواسع بالموسيقا الشرقية العربية وروادها ليذكر ( السيد درويش , أم كلثوم , محمد عبدالوهاب , فريد الأطرش ) وغيرهم الكثر واصفا إياهم بكبار وعمالقة الفن وبأنهم الأساس في تكوين مخزونه الفني وتطوير موهبته .
لافتا بأنه تأثر بمطربي وموسيقيي سورية المخضرمين خاصة من حلب والتي تشرب من ثقافتها الفنية الكثير ليذكر ( محمد خيري وصباح فخري ) مشيرا إلى أنه وبعد كل ذلك اكتملت روح الفن عنده وصقلت مواهبه الفنية أكثر من خلال اكتشافه لذاته والتعرف على ما يمتلكه من مهارات وقدرات فنية خاصة ما يتناسب مع صوته باذلا كل جهده للوصول إلى المكان الذي يستحق وذلك بدعم وتشجيع كبير من محيطه وأصدقائه، مصمما على دخول معترك الفن كما وصفه ليسافر إلى العاصمة بيروت، ولم تكن تلك الخطوة سهلة حينها لأن بيروت كانت تضج آنذاك بمطربين لبنانيين وعرب ، وكان الراحل فهد بلان حينها محققا حضورا مميزا ونجاحا لافتا خاصة عام 1965، وبأنه قد التقى بذاك الفهد السوري الكبير كما وصفه ليتعرف إليه أكثر .
مشيرا إلى تقديمه أغنية ببرنامج لبناني حمل اسم (11× 11 ) من تقديم الإعلامي السوري الكبير خلدون المالح وقد تكلل حضوره بالنجاح من أول إطلالة فنية له بأغنية حملت طابعا مميزا من حيث الكلمة واللحن مبينا بأن ذاك الظهور التلفزيوني له لم يقطع بشكل عابر ، فتم التواصل معه من قبل الصحفيين وشركات الإنتاج والتي كانت قليلة في ذاك بالوقت إضافة لقناة التلفزيون اللبناني التي ظهر فيها لتوقع معه عقد احتكار ولمدة سنتين. وهكذا تتالت أعماله الغنائية و لاقت تفاعلا كبيرا ونجاحا بين الجمهور والوسط الفني ذاكرا منها ( هن هن يسلمولي عيونهن، شكر بكر لعبتيني، رمانك يا حبيبي، بابوري رايح، يا صبحة هاتي الصينية، جاياتني مخباية، الكون إلى جمالكم مشتاقو، ويمكن على بالو حبيبي) والكثير من الأعمال الغنائية المهمة والتي قدمها وحصدت كلها نجاحا كبيرا ومميزا في سوريا وخارجها ومازلت تردد حتى يومنا هذا، كما أن طموحه الفني اللامتناهي فرض عليه الانتقال من بلد لآخر حاملا شغفه الفني ليترجمه بصوته أغاني منوعة ذات طابع شرقي أصيل، إضافة إلى ما كان قد كلف به بإدارة مهرجانات مهمة ومحافل سورية وعربية .
وعند السؤال عن حالة التنافس فيما بينه وبين مطربي ذاك الوقت أفادنا بأن المنافسة كانت نبيلة وتتم بمحبة وذلك لتقديم الأجمل دائما من أعمال غنائية ذاكرا (فهد بلان ,عصام رجي , سمير يزبك, محمد جمال ) والكثيرين من مطربي ذاك الوقت ممن كانوا منافسين له، لافتا إلى أن إطلالاته الفنية دائما كانت منوعة من حيث الكلمة واللحن مؤديا كل ألوان وأنماط الغناء الشرقي .
وعن سفره للقاهرة يقول بأنها تمت وبدعوة خاصة، وعند وصوله كانت الشوارع محملة بالصور والإعلانات بقدومه كنجم سوري وعربي , وقد قدم حفلات حضرها كبار نجوم الفن المصري آنذاك والصحفيون وشخصيات مهمة وبارزة وكالعادة تكللت كل الحفلات بالنجاح مضيفا بأنه ومن حسن حظه وإلى جانب ماحققه من نجاحات، تعرف إلى الفنانة ميرفت أمين ودارت بينهما قصة حب وتزوجا لكن لم يستمر ذاك الزواج لأسباب وظروف خاصة، موضحا بأنه استمر في العطاء الفني في القاهرة ولمدة تقارب الأربع سنوات وأكثر وذلك ضمن حفلات وبرامج في التلفزيون والإذاعة المصرية وأيضا في سهرات أضواء المدينة والذي كان هو النجم العربي الذي يتم التنافس عليه لما امتاز به من حضور مهيب وأداء مميز بكل ما يؤديه من أغانٍ منوعة عميقة المعنى .
محبي الفنان موفق بهجت
وهم كثر خاصة من الوسط الفني ليذكر ( عبدالحليم حافظ , وردة جزائرية , شادية ,فايزة احمد ) وغيرهم ممن أحبوا موفق بهجت كإنسان قبل أن يكون فنانا لما امتاز به من صفات إنسانية راقية وأخلاق عالية مع جميع الناس، خاصة زملاءه الفنانين، لذا كان اشتراكه ضمن المحافل العربية تأتي وبدعوة من زملائه لما يحملونه من محبة واحترام لشخصية بهجت الإنسانية والفنية .
تاريخ لا ينسى
يقول بهجت عام 1970 تم دعوته للمشاركة ضمن احتفالية الحركة التصحيحية ببلده الحبيب سورية وقدم بصوته أغنية من أجمل ماتغنى به من حيث الكلمة واللحن وهي (عزي وبلادي سورية ) ليتم بعدها تكريسه فنيا لإحياء كل الأعياد والمناسبات الوطنية بسورية مؤكدا على محبته وإخلاصه الكبير للحبيبة سورية .
صحافة عربية
بين بهجت بأنه قد لاقى الدعم والاهتمام من جهات الإعلام العربي ككل خاصة المقروء منه، و ماكان ينشر في الصحف والمجلات العربية والتي كانت تهتم بأخبار الفن والفنانين، فكان يحتل دائما مكانة وحيزا كبيرا من الاهتمام بنشر أخباره وصوره على غلاف المجلات العربية المهمة منها ( الشبكة , الموعد , العروسة , جريدة الأهرام , جريدة الأخبار , مجلة الكواكب) وغيرها من المجلات والصحف المهمة والتي كانت آنذاك تشتهر بصداها الإعلامي الكبير .
رسالة عتب
ويختم حديثه معنا بالعتب على الجهات المعنية الخاصة بكل ما يتعلق بأمور وأحوال الفن والفنانين، فلم يعد لديهم الاهتمام الكافي بما يتعلق بالموروث الفني، خاصة الغنائي ورواده، كما حث على تبني المواهب الفنية الشابة ودعمها بشكل حقيقي للوصول بالأغنية والفن السوري العريق لأعلى درجات الرقي، آملا أن يتغير حال الفن ويزدهر ليعود إلى ما كان عليه في السابق، وماكان قد قدم من أعمال هادفة حملت في جنباتها كل معاني الفن السامي ومافيه من تفاصيل حضارية عريقة وبطابع سوري أصيل.