من رواية الألم إلى صناعة الأمل

محمد مهنا..

خطاب الرئيس أحمد الشرع في الأمم المتحدة لم يكن مجرد سرد لمعاناة السوريين ولا مجرد إعلان سياسي رسمي بل عكس صياغة هوية جديدة لسورية بعد عقود من الاستبداد والحرب. أهم ما يميز هذا الخطاب أنه أعاد تعريف “الحكاية السورية” على أنها صراع أخلاقي بين الحق والباطل وهو توصيف يحمل في طياته أبعاداً روحية وقيمية أكثر من كونه توصيفاً سياسياً. الرئيس الشرع لم يركز على تفاصيل الماضي بقدر ما حاول أن يحوّل المأساة إلى درس إنساني وعالمي موجهاً رسالة مزدوجة: بأن التضحيات لم تذهب سدى و بأن سورية تستحق العودة إلى موقعها الطبيعي كدولة فاعلة.

اللافت في الخطاب أيضاً أنه قدّم النصر العسكري كنقطة فارقة قياساً بتجارب مشابهة في المنطقة. فا الرئيس الشرع أراد أن يؤكد أن الثورة لم تكن هدفها إسقاط النظام فقط وإنما بناء دولة جديدة خالية من ثأر الماضي دولة يسودها القانون والعدالة الانتقالية. هذا الطرح يوجّه رسالة طمأنة للداخل وللخارج على حد سواء بأن سورية لا تبحث عن ثارات بل عن استقرار طويل الأمد.

ومن الأفكار الجوهرية التي برزت التوازن بين الحديث عن السيادة الوطنية والالتزام بالدبلوماسية خصوصاً في ظل التهديدات الإسرائيلية. الخطاب بدا وكأنه يؤسس لسياسة خارجية قائمة على احترام الاتفاقيات الدولية من جهة والانفتاح على المجتمع الدولي ومن جهة أخرى مع إصرار على رفع العقوبات التي يعتبرها السوريون وجهاً آخر للمعاناة.

أهمية الخطاب لا تكمن فقط في كونه أول ظهور رسمي للرئيس الشرع في الأمم المتحدة بل في كونه بمثابة “بيان تأسيسي” لمرحلة ما بعد الحرب. لقد قدّم رؤية متكاملة لمرحلة انتقالية تشمل إعادة بناء الدولة و تنظيم الانتخابات والانفتاح الاقتصادي عبر الاستثمارات الدولية. هذه العناصر مجتمعة تضع ملامح مشروع دولة جديدة ما يجعل الخطاب محطة فاصلة بين سوريا الماضي وسوريا المستقبل.

باختصار خطاب الرئيس الشرع لم يكن مجرد كلمات رنانة أمام العالم بل إعلان عن تحول استراتيجي: من سوريا المنكوبة إلى سوريا المبادِرة من بلد الأزمات إلى بلد الفرص ومن رواية الألم إلى صناعة الأمل.

 

#صحيفة_الجماهير

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار