الجماهير || محمود جنيد
نسمات فواحة معتقة بعبق الأصالة والتاريخ المتعشق على ملامح البقعة الأثرية الممتدة من الجامع الأموي الكبير مروراً بطلعة خان الوزير وصولاً إلى قلعة حلب، يمتزج بعبير عطرها المنبعث من تلك المتاجر العتيقة.
يحملنا على بساط النشوة لنحط الرحال عند أشهرها لتروي لنا قصة الريادة الحلبية في مجال العطور.
يتوافد زبائن من حلب وإدلب وريفها، وآخرون من محافظات أخرى، تتنوع طلباتهم من العطور ومن مختلف أصنافها القديمة المطروقة والحديثة. بينما يستعرض المهندس أنس بوادقجي، بناءً على طلب الزبائن، الخلطات والتركيبات الخاصة، موضحاً لـ #الجماهير توفر أكثر من ألف صنف من الروائح الوردية والخشبية والمستخلصة من الحمضيات، فضلاً عن معطرات الجسم والجو والشعر التي تم إنتاجها حديثاً.
تعود العلاقة المهنية للعطور مع سلالة العائلة الرائدة في هذه الصنعة إلى ما يقارب 150 عاماً، إذ كان الجد محمد نور بوادقجي أول من أدخلها إلى حلب وسوريا، وتوطنت في سوق الخابية. ثم انتقلت مع الابن عبد الغني بوادقجي وأولاده عام 1955 إلى خان الوزير، وعاش بها عمراً طويلاً، حيث توفي عن عمر يناهز 104 أعوام.
كانت بدايات الصنعة تعتمد على تقطير الورود الطبيعية عبر معدات خاصة، بالتزامن مع فتح قنوات التواصل مع أعرق مراكز العطور في الغرب، فرنسا وهولندا وسويسرا، لاستيراد الأصناف النوعية ذات الجودة العالية حصرياً بأفضل الأسعار، وحفظها في مستودعات تتوفر فيها الشروط الصحية ودرجات الحرارة المناسبة. وهنا يكمن، حسب المهندس أنس، سر التفوق الذي حقق الموثوقية العالية للزبائن في الداخل والمغترب، من خلال الخبرة في الانتقاء واختيار أفضل الأنواع المنتجة في ظل توفر أصناف متعددة أقل جودة، ثم التعامل معها وإضفاء اللمسة الخاصة.
ويصف أنس الحركة التجارية في سوق العطور بالجيدة حالياً، مع إمكانية تحسنها وعودتها إلى سابق عهدها من خلال استقرار الوضع الاقتصادي في البلاد، وجريان السيولة بين أيدي شريحة الموظفين الذين يشكلون نسبة كبيرة من المواطنين، مما ينعكس على الدورة الاقتصادية والتجارية بشكل عام.
—-
قناتنا على التليغرام