“دار حلبيا” من دار سكني إلى معلم سياحي …التراث في ثوب الأجداد …كيف تصبح البيوت العربية فنادق تحيي التاريخ ؟

الجماهير || أسماء خيرو ..
في قلب حلب القديمة، حيث تتنفس الجدران ذاكرة قرون مضت، تقف “دار حلبيا” شامخة كصرحٍ يحمل رسالة واضحة: التراث ليس مجرد أحجار، بل هوية تنقذ بالإرادة .


تقع دار حلبيا في وسط حي الجلوم في قلب باب أنطاكية أحد أبرز الأسواق التاريخية في حلب، والتي تجسد عمارة البيوت العربية القديمة بجدرانها الحجرية وأسقفها المزخرفة ،وأزقتها الضيقة .

في حديثه  مع الجماهير عن دار حلبيا، يسرد عبد الحي قدور – أول دليل سياحي في سوريه – والمتحدث بخمس لغات (الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، الهولندية- الإيطالية )- قصة تحول بيت عربي بسيط في حي الجلوم بمدينة حلب إلى فندق تراثي يحاكي ذاكرة الزمن، ومتحف حي يعيد للأحجار صوتها وللمدينة روحها .

•بيت عتيق يولد من رماد الإهمال.
اشترى قدور البيت القديم في عام 1995، ليباشر بترميمه بحرفية عالية، بإعادته إلى حالته الأصلية عبر إزالة الحجر الحديث والحفاظ على خشب “الطنوب” العتيق الذي يحتفظ برائحة القرن العشرين، بحلول عام 2000، تحول المبنى إلى فندق تراثي بلمسة أصيلة ،  يحاكي تفاصيل البيوت الحلبية القديمة: أرض “الدّيار” الدافئة،نافورة الماء ، أقواس الحجرية، ونوافذ خشبية مزخرفة بتقاسيم الزمن،  مكتبة داخل الدار تتيح للزوار الاطلاع على الكتب التراثية والسياحية بين مذاقات من القهوة العربية الأصيلة.

•توسع باحترام التراث .
وأكد “قدور” أن مشروعه الترميمي ولم يقتصر على ذلك  ، بل امتد ليتوسع بشراء البيت المجاور في عام 2011، ليرتفع عدد غرف الفندق من 10 إلى 13، مستفيداً من إقبال السياح الأجانب الباحثين عن الأصالة والهدوء الشرقي بعيدا عن ضوضاء المدينة ،  ويعزو نجاحه إلى شغفه بالتراث، بعد أن لاحظ تعلق السياح بكل ما هو عربي أصيل، كما أن أسفاره الكثيرة جعلته يرى كيف تحول المدن العالمية مواقعها التراثية إلى متاحف أو فنادق تحاكي تاريخها، وهو ما عزز إصراره على البدء بالمشروع .
وفي تعليق له قال: “احترام التراث لا يكون بمحو آثاره لصالح حداثة عابرة، مشيرا إلى تحويل البيت  إلى فندق تراثي يضم متحفا مصغرا، ليس كفضاء للاستضافة فحسب، بل كحارس للذاكرة الجمعية للمدينة، يسرد قصصا تعود إلى عقود، ويواجه محاولات طمس المعالم الأصيلة .

•متحف بين الغرف: رحلة إلى زمن يرفض الرحيل
لا تكتفي الدار باستضافة الزوار والسياح ، بل تأخذهم في رحلة زمنية عبر مقتنياتها النادرة: مطاحن حجرية، راديو وخزانة، وبسط  ولوحات فنية ،وأثاث ، ولباس يعود لعشرينيات القرن الماضي، أواني نحاسية تحمل بصمات الأجداد، وصورة لوالد قدور تعلو الجدران كشاهدٍ على ارتباطه العاطفي بالماضي ، حتى الإضاءة هناك مختلفة ، والخوابي النحاسية تحل مكان الأكواب البلاستيكية، في مشهد يجسد رفض قدور المساومة على الأصالة.
يقول قدور : المقتنيات المعروضة في دار حلبيا ليست سوى أدوات بسيطة كانت موجودة في كل منزل حلبي، لكن بسبب ظروف الحرب، اضطر كثيرون لبيع ممتلكاتهم، بينما سرقت أغراض أخرى، قمت بشراء هذه القطع وشيئا فشيئا، أعدت ترميمها، حتى تجمع لدي عدد كبير منها، إنها قطع أثرية ثمينة تعبر عن تراث البيوت العربية.

•صرخة في وجه الإهمال .
يروي قدور بمرارة كيف تشوه معالم البيوت العربية القديمة  في أحياء مثل الجلوم والعقبه ، حيث تستبدل الجدران والنوافذ الخشبية، وتثقب التيجان الأثرية لوضع إضاءات حديثه ، ويحمل المسؤولية للجهات الرسمية: “لو وجدت قوانين صارمة لحماية التراث، لما ضاعت هذه الكنوز، فالبيوت العربية في حلب القديمة درر يجب المحافظة عليها لا أن تهمل وتمحى هويتها.

•الإسم والرمزية.
استلهم قدور اسم “دار حلبيا” من موقع أثري في دير الزور بني في العصر الروماني، حيث تشير الأساطير إلى أن الملك أذينة بناه لزوجته زنوبيا. يقول: «أردت ربط حلب بحضارات سورية العريقة، فكل حجر هنا يحمل بصمة الأجداد.

•أخيرا: التراث هوية لا تقاس بمال.
يختم قدور حديثه بدعوة لدمج التراث في المناهج التعليمية، وحماية البيوت القدية بتحويلها إلى متاحف ،يقول:  «لو أدرك الناس قيمة ما تحت أقدامهم، لما استبدلوا النحاس بالبلاستك فدار حلبيا ليست مجرد فندق، بل شعلة تذكر العالم أن الحرب والحداثة قد تهدم أو تشوه الجدران، لكنها لن تهزم إرادة الإنسان حين يقرر أن يكون حارسا للذاكرة.

.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار