صابون الغار الحلبي رائحة عطره يطاردها (الغشاشون) .. مع عودة الانتاج يخشى الصناعيون من الدخلاء على الحرفة وتشويهها
الجماهير ـ مصطفى رستم
رسم الصابون الحلبي عبر قرون من الزمن هوية الحلبي مرتبطاً باسم المدينة العريقة والشهيرة بمنتجاتها وصناعاتها التقليدية ومنها صابون الغار في وقت أكسب المدينة سمعة مميزة تفوقت بها على الكثير من المدن العربية والعالمية في هذا المجال.
ومع إبداع الحرفي في مدينة حلب بصناعة الصابون الحلبي تفوق في العمل في هذه الحرفة أسماء عائلات اشتهرت بهذه الصناعة مثل (فنصة، زنابيلي، الحلاق، قداح وغيرها) لترتبط أسماء هذه العائلات بأصناف الصابون في الأسواق مع مرور الزمن وتقدم هذه الأصناف للسوق أجود أنواع الصابون على الإطلاق حاملاً معه فوائد متعددة لجسم الإنسان وشعر الرأس لما يحتويه على مادة زيت الزيتون المفيدة.
يعود تاريخ صناعة صابون الغار في حلب إلى ما قبل 2000 عام قبل الميلاد، ولم تتغير طريقة صناعة الصابون بشكل كبير منذ ذلك الحين حيث لا زالت تحافظ على طريقة الإنتاج التقليدي الشبه يدوية مع بعض التطور مع مرور الزمن وإلى الأن بعد عودة العشرات من المصابن إلى العمل بعد توقف بسبب الحرب، سوى أنه لا زالت عمليات الغش من بعض ضعاف النفوس موجودة وهو ما يؤرق أصحاب المهنة.
– الجودة والاتقان
وبنفس عميق يشم “ابو أحمد” قطعة من صابون الغار أخذها من إحدى الرفوف الموضوعة في دكانه الصغير المتوضع في سوق شعبي من الأسواق الحديثة بعد نزوحه من سوق (المدينة القديمة).
يثبت نظارته جيداً ويتأمل قطعة الصابون الأخضر كخضار ورق الغار الشامخ فوق شجرة، يتناول قطعة أخرى من ذات الرف، وبحركة يخبرها جيدا أصحاب المهنة تحتك القطعتين ببعضهما فتنبعث منهما رائحة يشمها كل من كان جالسا، بل إن هذه الرائحة الزكية لابد أن تصل لأنوف كل من يدخل لهذا الدكان عنوة ودون استئذان.
“ابو أحمد” الخمسيني من العمر وهو صاحب حرفة (عتيق) في صناعة الصابون يرسم ابتسامة نصر تشبه أكاليل الغار التي تتوج فوق رؤوس الأبطال المنتصرين في المعارك، وبلهجته الحلبية وبلغة صارمة ممزوجة بفرحة عارمة لا تنقصها الثقة العالية يصرخ قائلا (طبخة الصابون أصلية ميه بالميه،، وعلى مسؤوليتي وهيّ السوق وأنا أبو احمد).
كلامه في السوق يعتبر بمثابة (طابو أخضر) فيما يخص الصابون وخاصة جودته، فهو يفرق بين الصابون (الأصلي وبين المغشوش) يقول:
لم يعد سوق الصابون كما كان سابقا هذا ما يعبر عنه كل حرفي وصناعي وأصحاب الكار، وحتى تجار صابون الغار الحلبي تركوا المهنة وهاجروا ونسبة قليلة منهم بقيت في مدينة حلب، فندرة الصابون بالأسواق يعود إلى ندرة الورشات والإنتاج الضعيف وإن عادت ورشات عدة إلى العمل.
تضاؤل الإنتاج كان له التأثير الكبير في فقدان صابون الغار الحلبي الأصلي، وقلة إنتاج الجيد منه إضافة لارتفاع أسعار المواد الأولية التي تستعمل وتدخل في صناعة الصابون ومنها الطبخة والتي تتألف من (زيت الزيتون، والغار وغيرها) والتي أثرت أيضا في ارتفاع أسعار الصابون، ونمى بالظل (مصابن) خفية تعمل على إنتاج صابون غار بجودة متدنية.
– مراحل التصنيع
يقول “طلال” مصنّع غار حلبي أن عمليات إنتاج صابون الغار الحلبي تميز هذا الموسم عن بقية المواسم بتحسن لافت وجيد خاصة بعد استقرار الأوضاع في المدينة مقارنة بالسنوات القليلة الماضية مع عودة الحياة الطبيعة للسكان كسابق عهدها بالإضافة لتحرك عجلة الإنتاج وقال فيما يخص مراحل التصنيف للمنتج:
“إنه وبعد عمليات قطاف الزيتون والحصول على الزيت يتم غلي زيت الزيتون بالمياه مع الصودا كوستيك وبعد يومين يتم الضخ على أرضية واسعة جداً ينتظر فيه العاملون حتى مرحلة جفاف جزئي قبل الانتقال بعد ذلك لعملية تقطيع الصابون إلى خطوط متقاطعة بالطول والعرض لتشكل بعده ألواح يتم ترتيبها وبعدها يوضع الختم الخاص بالمصنع”.
ويتابع حديثه في مجال مراحل التصنيع “يوضع الصابون على شكل هرم وتسمى هذه الطريقة بـ (البيبار) ضمن فراغات معينة لضمان تهوية جيدة للصابون ويعمل بعدها على التجفيف وتأخذ مدة من الوقت بين 6 إلى 9 أشهر بعدها يصبح جاهز للتسويق”.
يتميز الصابون بأنه مصنوع من زيت الزيتون خالي من المواد الملونة والشحوم الحيوانية ويشير مصنع صابون الغار أنه يتم الغش بإضافة هذه المواد للصابون وتؤدي إلى التخفيف من قيمته.
ويشرح أبرز المراحل التي تمر في صناعة الصابون الحلبي التي تتفرد به حلب وتشتهر به وتنافس بجودته أشهر مدن العالم التي تصنع الصابون ومواد التجميل لافتاً النظر إلى أن منتجات صابون الغار الحلبي قد غزت أسواق دولية منها أوروبية وبكميات كبيرة تصدر إلى خارج سورية قبل الحرب ولاقت الكثير من الترحيب والإعجاب، فيما يزداد الطلب على هذا المنتج الذي نفتخر بحلب بأنه صناعة وطنية سورية بامتياز.
– كشف الغش
يحضّ أصحاب الكار والحرفيون والعاملون في الصابون ممن يملكون الضمير والنزاهة في العمل، على ضرورة أن يفرق المستهلك بين أنواع وأصناف الصابون فالمشتري عليه أن يكشف بنفسه الغش، يدفعهم بذلك حرصهم للحفاظ على الشهرة التي وصل إليها الصابون الحلبي، وعدم التفريط بسمعة الصناعة والصناعيين، ورغبة منهم لكشف أولئك الغشاشون والمتلاعبون بالصناعة، أو البائعون الذين يبيعون الصابون المغشوش على أنه صابون حلبي ممتاز.
وهنا يفرق “محمود وحيد” يعمل في تسويق الصابون بين ثلاثة أنواع من الصابون الحلبي (الجيد والجيد جدا والممتاز)، فالصابون ذو النوع الممتاز يصبغ باللون الأخضر ويطغى عليه بشكل كبير، فيما تميل ألواح الصابون الجيد جدا إلى اللون البني الفاتح (البيج)، وعن الصابون الجيد وهو الترتيب الأخير بتصنيف الجودة يميل لونه إلى اللون الأبيض.
وفيما يخص (طبخات) صابون الغار المغشوش لابد من الحذر من الصابون (المالح) والذي تتشكل فوقه طبقة مالحة كون هذا النوع من الألواح تكون نسبة المواد الكيماوية كبيرة وهي مادة (الكوستيك)، وهذه الألواح لا تتناسب على الاطلاق مع حمام الرأس.
وعن طريقة معرفة الصابون الغار الصالح للاستخدام على الرأس من الصابون الذي يستخدم لاستعمال اليدين يقول: إذا شققنا لوح الصابون إلى نصفين وأخذنا نشم رائحته فإن كانت هذه الرائحة حادة وفيها حدودية ، تدل تلك الرائحة على زيادة في مادة (الكوستيك) التي لا تريح الأنف فيجب أن تكون هذه المادة بنسبة 5 بالمئة فيكون لوح الصابون غير صالح لغسيل الرأس بل يستخدم لغسيل اليدين أما إذا كانت الرائحة أخف حدودية فتستخدم لغسيل الرأس هذا وأضاف أنه توجد طريقة أخرى عن طريق المذاق فإذا قسمنا لوح الصابون إلى شقين وقمنا بتذوقه وكان حلو المذاق فهو صالح للاستخدام وغسيل الرأس.
رقم العدد ١٥٩٢١