في لقاء للـ(الجماهير) مع المايسترو نجار: التراث الموسيقي والغنائي الحلبي زاخر بثرائه وأصالته وعراقته .. الموسيقا سلاح حضاري متجدد لدى أجيال المجتمع

 

الجماهير – الحسن سلطانة

ولد المايسترو شادي نجار في حلب 7 أيار عام 1982م تلقى تعليمه في مدارس حلب، وأكمل دراسته الجامعية في جامعة حلب، فحاز منها على الإجازة في الآداب – قسم اللغة الفرنسية، وهو حالياً محاضر في كلية التربية، وعضو نقابة الفنانين بحلب، وكان قد درس الموسيقا على آلة البيانو في معهد بالّي الموسيقي، حيث تخرج منه في عام 2000 ما أتاح له أن يتعمق في دراسة الهارموني والتوزيع الكورالي .
عمل مع أخيه الأب فادي نجار على تأسيس جوقة القديسة تيريزيا، وذلك بدعوة من الأب بسام آشجي، خوري كنيسة القديسة تيريزيا.
حصد عدة جوائز، فحاز على خمس منها في التوزيع الكورالي والموسيقي، ضمن مهرجان قيثارة الروح لأعوام 2004 و 2006 و2009 على مسرح دار الأوبرا مع جوقة القديسة تيريزيا، وكان آخرها عن أغنية (سورية الأمجاد) التي حازت هي الأخرى في عام 2010 على جائزة أفضل عمل وطني متكامل، ضمن مسابقة: (الجولان في القلب)، والتي أقامتها الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وهي من كلمات: رامي سباط، وألحان وتوزيع كورالي وموسيقي: شادي نجار .
كما حاز على جائزة أفضل توزيع موسيقي على مسرح دار الأوبرا من قيادة منظمة طلائع البعث عن أغنية: (سأمر من عينيك) المشاركة في مهرجان الطفل السوري الثالث عام 2018 .
أحيا عدة حفلات موسيقية غنائية، مع جوقة القديسة تيريزيا في معظم المحافظات السورية، ومع أوركسترا صبا في بعضها، وكانت الفعالية الأخيرة على مسرح دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق.
أقام عدة أمسيات موسيقية على آلة البيانو، بعضها من ألحانه.. وبعضها مقتطفات من الفن الملتزم لكبار الفنانين العرب: (فيروز ، وماجدة الرومي ) .
صدر له ألبوم موسيقي بعنوان: (لغة الروح..وابدأ من جديد) وهي أغنية خاصة له، أداها مع الفنانة نورا محفوض، وتلحين الأب فادي نجار، إضافة إلى مجموعة أغٌنيات من كلمات سمير طحان، وألحان شادي نجار، أبرزها: (حلب بتضللي دهب).
كما صدر له عدة مؤلفات موسيقية متنوعة مثل: سورية الأمجاد، من سورية، فلسطين، تعال ياصديقي، إلهي ..لماذا تركتني؟، وعمل على تأسيس أوركسترا تضم أكثر من عشرين عازفاً، وستين مغنياً كورالياً، إذ أحيت العديد من الحفلات على مراكز الثقافة بحلب وسورية.
إضافة إلى أنه عمل على إعادة توزيع عدة مقطوعات موسيقية بروح جديدة، مثل “ابحث عني” للفنانة ماجدة الرومي، أدتها نورا محفوض على طريقة الفيديو كليب.
الجماهير تواصلت مع المايسترو شادي نجار، وكان هذا اللقاء:
– كيف كانت بداية مسيرتك في عالم الموسيقا؟
ولدت في عائلة بسيطة جداً، ولكنها مثقفة وملتزمة ومملوءة بالكثير من الحب. وكنا أنا وأخي نجرّب دائماً، نحفظ كل لحن نسمعه، ونغني كل مايلفت نظرنا من أغان، وكان لدي أوكورديون أحاول أن أعزف عليه الألحان التي تستوقفني، ومن المؤكد أنه داخل العائلة يمكن أن تفرض الموهبة نفسها بقوة، وبالتالي عندما تجد الموهبة أرضاً خصبة تنمو وتزدهر بفضل الله ورعاية الأهل الذين عندما يلاحظون وجود موهبة لدى أبنائهم، يعملون جهدهم على تنميتها وصقلها جيداً بالشكل الأمثل، وأذكر آنذاك أن أهلي قاموا بتسجيلي في معهد بالي الموسيقي، حيث تعلمت أصول الموسيقا بحب، وتعمقت بالنوتات الموسيقية والهارموني، وتمكنت من العزف على البيانو.
– ماهي أهم الفعاليات الفنية التي شاركت فيها وأطللت من خلالها على جمهور الموسيقا؟
بالتأكيد، تتصدرها حفلات دار الأوبرا، وخاصة الحفلة التي أقيمت مؤخراً بتاريخ 9/ 1/ 2020 وبرعاية وزارتي السياحة والثقافة بالتعاون مع الآباء الفرنسيسكان، والتي جمعت فيها أوركسترا “صبا” وجوقة القديسة تيريزيا ضمن عمل موسيقي وطني وإنساني. وأيضا احتفالية حلب عاصمة للثقافة السورية لعام 2019 التي أقامتها وزارة الثقافة على مسرح دار التربية بحلب، وهي من الأعمال المهمة بالنسبة لي، وكذلك احتفالات عيد الجيش العربي السوري والجيش الروسي في حلب، وعلى مسارح المراكز الثقافية في حمص،وحماة وطرطوس.. والبداية كانت مع منظمة SOS عبر الدعم من خلال الإعانات للخط الثقافي والمعنوي الإنساني، ولنعترف حقيقة، أنها قدمت لنا دعماً أساسياً في غير حفلة، مما ساعدنا على تمكين انطلاقة مشروع أوركسترا “صبا”.

– أين ترى نفسك محلقاً في فضاء الموسيقا الرحيب: تلحيناً، أو توزيعاً ..عزفاً منفرداً، أو جماعياً (أوركسترا، أوبرا، ملحمة، جوقة.) ؟!
أرى نفسي أكثر بالتوزيع الكورالي والتلحين، وبالتأكد عندما أقود أوركسترا بغض النظر إن كانت أوركسترا صبا، أو ربما قد يكون في المستقبل أكبر منها، وهكذا مشروع يحتاج إلى الكثير من الصبر، والجهد، والهدوء، والوقت.
والأهم من التلحين، أو التوزيع أن يتمكن الملحن من منح نفسه هوية خاصة لذاته، سواءً من خلال اختياره بعض الآلات الموسيقية داخل التوزيع الموسيقي، أو اختياره طبيعة العزف والألحان، فالمهم أن يعطي المرء لنفسه هوية خاصة به، فمثلاً عند سماع ألحان معينة، أصبحت معروفة ومتداولة لدى الوسط الفني، ندرك عندئذ مثلاً أنها للرحابنة، أو للسنباطي، أو للقصبجي، أو سواهم .. لأنهم استطاعوا أن يشكلوا حضوراً لافتاً، وبصمة خاصةً بهم على مدى الزمن .
ولذلك، إذا أراد أحد الموسيقيين التعاطي مع عمل فني معروف، فيجب أن يضع روحه ونفسه الموسيقية في صلبه؛ ليعكس تماهيه الروحي في جوه بشكل تفاعلي منسجم معه.

– هنالك مايسمى بالتخت الشرقي.. ماذا عن درجة أهمية دور هذا المصطلح في عالم الموسيقا؟!.
إن كلمة تخت، هي فارسية الأصل، وتدل على المنصة الشرقية، وقد ظهرت في منتصف القرن التاسع عشر، ليأتي بعدها الموسيقار العربي الشهير: محمد القصبجي، ويبدأ مضيفاً على التخت الشرقي بعض الآلات الموسيقية الغربية: كالتشليو، والكونترباص .
وللعلم، آلات التخت الشرقي هي: القانون، العود، الناي، الرق، الدف،والكمنجة … فالتخت الشرقي لايقوده مايسترو أحياناً بل يقوده المغني، وأحياناً أخرى يكون هنالك مايسترو ليقوده، وكان يستعمل داخل القصور.
وبذلك استطاع التخت الشرقي أن ينقل لنا في عصر السرعة والحداثة والآلات الحديثة جمالية الموسيقا الشرقية من التاريخ الماضي إلى الحاضر – كما هو في وقتنا الحاضر – فاليوم، إذا لم يوجد تخت شرقي فلا نستطيع سماع جمالية عزف الآلات الموسيقية.. وبالتالي إن وجود التخت الشرقي في هذه الأجواء شيء مهم كي نبقى محافظين على التراث الشرقي العربي الأصيل.
والجدير بالذكر، أن التخت الشرقي ينقل لنا صنوف أنواع الموسيقا الشرقية التي كانت تُعلّم وتعزف في أيام العملاقة، ومانزال نحن -وخاصة في حلب – محافظين عليه، لكي يبقى أثراً مهماً يدل على تراثنا الشرقي الأصيل الذي ينبغي للأجيال القادمة مواصلة العمل على إحيائه.

– برأيك من هم الملحنون الذين قدموا نوتات موسيقية متميزة، وتحترم أعمالهم الموسيقية؟!
اللحن الأبرز، بالنسبة لي، هو نقطة تلاقي اللحن الجميل بمقوماته الموسيقية وذوقه الموسيقي مع شخصية الموسيقي. وفي تاريخ الموسيقا يوجد هنالك إرث تراثي حافل بالألحان الجميلة التي لايمكن اختصارها بجملة واحدة، وأكثر مايلفتني موسيقياً بكثير من الإعجاب والتقدير: موسيقا الرحابنة، وموسيقا أم كلثوم (وأنا أتحدث هنا عن الموسيقا، وليس عن صوت فيروز، أو صوت أم كلثوم ..فهذا موضوع آخر). كما يلفتني أيضاً موسيقا عمر خيرت، وهي موسيقا جميلة جداً لا تحمل غناءً.

– الموسيقا هي فن، علم، إبداع، حضارة، وحياة .. كيف تنظر إلى مواءمة وتفاعلية وتماهية العلاقة التداخلية الشمولية فيما بينها؟!
لاشك أن الموسيقا هي فن وعلم وإبداع وحياة وحضارة وحتى يتم تحقيق التوليف والمواءمة فيما بينها يتوقف ذلك الموضوع على الموسيقي، إذ أن هنالك موسيقيين ينقلون الموسيقا لنا على أنها علم فقط، ولا يوجد فيها أي نوع من الفن أو الإحساس.. والبعض منهم ينقلونها على أنها فن، ولا تمت بصلة إلى شيء من الإبداع، أو روح الحياة، ومثال ذلك الموسيقي الذي يبقى محصوراً ومتقوقعاً ضمن قالب موسيقي واحد، فهو لايستطيع أن يكون مبدعاً مالم يطلع على الثقافات الموسيقية المختلفة، وبذلك يكون قد حكم على نفسه ألا يكون مبدعاً، لأن الإبداع الفني يحتاج منه إلى الخروج من الموسيقا التي هي في دائرة محيطه الاجتماعي، لكي يعطيها من أعماق روحه، ويشكل هوية خاصة به.
وخطأ كهذا وقع به بعض الموسيقيين في حلب نتيجة حصر أنفسهم بقالب موسيقي محدد، وبالتالي لم يستطيعوا أن يجسدوا أي حضور إبداعي مميز.
والموسيقا هي حقاً علم، لأنها تعتمد على تراكم “أكورات” ومقاييس معينة يجب احترامها، وهي حياة لأنها تعطي بشائر الأمل والفرح للإنسان.. وبالتالي تغدو أكثر مثالية عندما يوظف داخلها العلم والفن والحضارة والإبداع معاً.
– ما أهمية تعليم الموسيقا للأطفال واليافعين، وتنمية مواهبهم وصقلها، لاسيما أنك تدرب الأطفال على الموسيقا مما يساعد على إعداد وتنشئة جيل محصن بالوعي الفني والثقافي للتراث الموسيقي الأصيل؟!
أعمل منذ زمن طويل في تدريس الموسيقا للأطفال والطلاب، وحديثاً أقوم بتعليم الأطفال في مركز الفرنسيسكاني للفن السيكولوجي الذي يعنى بالاهتمام بنفسية الطلاب، ممن عانوا من ويلات الحرب الإرهابية الوحشية على سورية، وذلك من خلال تفاعلهم الفني مع الرسم والموسيقا.
وفي مجال الموسيقا نستطيع أن نزرع أملاً جديداً في قلوب أجيال الطفولة والشباب، مما يعكس بالتالي لدينا قناعة كبيرة أن الاهتمام بهم يجب أن يتضاعف أكثر مما كان عليه فيما مضى، كي يتمكنوا في قادم الأيام من مواجهة المحن القاسية مهما اشتدت عاتيات الزمن من ظروف قاسية، وأزمات شديدة وأهوال خطيرة .
ولذلك ينبغي على كل منا أن يهتم بالأجيال الجديدة، والعمل على بذل كل الجهود والإمكانات؛ لتحصينهم بسلاح الوعي والثقافة وإتاحة أجواء الفرح والتفاؤل أمامهم بهدف تحفيزهم للإقبال على الحياة بحب وقوة وثقة عالية بالنفس .
ونعود للتأكيد على أن الموسيقا أيضاً تستطيع أن تزرع السلام والمحبة بلا حدود في أعماق قلوب الأجيال الجديدة التي تحصّنت جيداً بالتراث الموسيقي الأصيل والفن الهادف الملتزم .
وهذا التوجه الإيجابي الحضاري النوعي لدينا نمتاز به عن المجتمعات الأخرى التي تظهر فيها اندفاعات الشبان واليافعين وراء الفن الجديد الهابط منه موسيقياً وغنائياً.
لذلك عندما نزرع حب الموسيقا في نفوس وقلوب ووجدان الأجيال الجديدة منذ الصغر، نحصد قطاف ثمارها اليانعة في الكبر، كما أن تنمية ورعاية المواهب هي مسألة غاية في الأهمية، وذلك بغية إعداد جيل مثقف واعٍ يحمل راية تراث الطرب العربي الأصيل والموسيقا الملتزمة الهادفة.
– ما رأيك بالواقع الفني والموسيقي في حلب التي صنفتها اليونسكو عاصمة للثقافة العربية، واختيرت عاصمة للثقافة الإسلامية، ومؤخراً عاصمة للثقافة السورية لعام 2019 ؟!
الفنان الموسيقي الموضوعي يصنف الظواهر الحضارية وفقاً لاستحقاقاتها المناسبة، ويعطي رأيه بما يستحق أي عمل موسيقي أو زمن موسيقي انطلاقاً من جانبين: الجانب الذوقي، والجانب الأكاديمي، فالجانب الذوقي يتوجب على كل إنسان أن يحترم ذوق الآخر، وهذا موضوع غير قابل للجدال، فالبعض يحب سماع أغاني أم كلثوم وفيروز، والبعض الآخر يحب سماع غيرها.
إذن تلك مسألة أذواق لاجدال فيها، وبالتالي علينا احترام ذوق الآخر في سماع الموسيقا، وميوله الفنية تجاه اللون الغنائي المفضل لديه.
والنقطة الأهم عند الاعتماد على الموضوع الأكاديمي في التقويم، هي: إلى أي حد مبنية على سلم ومقام موسيقي معين، والمدى الصوتي فيها هل هو كبير أم صغير، وهل تستطيع هذه الأغنية أو سواها إظهار قدرة المغني أم لا؟! وهل النوتات الموسيقية في أية أغنية ممتدة إلى حد كبير، أو صغير ؟! وفي ضوء ذلك يتم تقييم العمل إذا كان جيداً وملتزماً ثقافياً، أو سيئاً ويسيء للموسيقا.
وأرى من الناحية الأكاديمية أن أغلب الأعمال الفنية الغنائية والموسيقية لا تعتمد أبداً على أي شيء أكاديمي، لأنها أصلاً لا تعتمد على بناء اللحن والجملة الموسيقية المتزنة أكاديمياً، ولا على توزيع “أكّورات” سليم داخل الجملة الموسيقية.
أما عن تصنيف حلب عالمياً وعربياً ومحلياً فنشير إلى تاريخها العريق والعتيد الذي تم على أساسه تصنيف مواقعها الحضارية، فضلاً عن أن تراثها مشهود له بالقوة الموسيقية بشكل عام عبر التاريخ لما يحتويه من أعلام موسيقيين حملوا اسم حلب عالياً على مدى العصور، إضافة إلى ذلك يوجد فيها نسبة موسيقا أكبر من أي منطقة أخرى في العالم – من حيث التراث الموسيقي والغنائي الحلبيين – الزاخر بثرائه وأصالته وعراقته فضلاً عن أهمية دوره في تجسيد وبلورة هوية حضارية خاصة بحلب، وأبرزها ما اشتهرت به من قدود حلبية وموشحات ومقامات موسيقية .
رقم العدد ١٦٠١٢

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار