في ذكرى تحرير حلب … قصص لا تنتهي وجروح يبلسمها التحرير!.

الجماهير – بيانكا ماضيّة

قصص الحرب ليست كغيرها من القصص التي يمكن أن تكتب وأن تحكى بكل تفاصيلها، فهناك دوماً أيام تتشبث بالذاكرة للذكرى وتبقى وشماً فيها لا تمحوه السنون، أكانت ذكريات جميلة أم ذكريات هي بمثابة جروح لا تندمل، نشعر بطعمها المرّ في القلب والعقل والروح والذاكرة، وهي بمثابة نار، جحيم لا تنطفئ أوارها مهما مضى من زمن عليها.
من تلك الذكريات، ذكريات الحرب، ففيها أنواع المآسي جميعها التي تعرض لها أبناء سورية، ومنهم أبناء مدينة حلب الذين ذاقوا الأمرّين في هذه الحرب الشعواء التي لم يسلم فيها الحجر والشجر والبشر.
تفجيرات وحرائق وجوع وعطش وحصار عبّر عنه “معبر بستان القصر” هذا المعبر الذي تحوّل إلى رمزية دموية قاتلة شارخة للمدينة. وفي النهاية كان تحرير حلب انتصاراً ليس كغيره من انتصار، لكن انتصار الحب الذي يكنّه الناس لبعضهم هو الذي أعاد ويعيد الألق لحلب..
“الجماهير” التقت مجموعة من الأدباء والمثقفين في هذه الذكرى التي تحمل الكثير من الفرح والغبطة في نفوس أبناء حلب..
– الكاتب الروائي محمد أبو معتوق يقول عن هذه الذكرى: “عندما ينشطر جسد الكائن أو المدينة .أو السماء ..يفقد الشطران الحياة ..وعندما يعود الشطران لبعضهما ويلتحمان بفعل التضحيات والضرورات ..تحاول الحياة أن تعود للحياة ..فأما الكائن الذي شطرته القسوة والتحديات ..فلا يعود ثانية للحياة. أما المدن العظيمة والعريقة فتعود للحياة أكثر قوة وأكثر استعدادا لنشر الحياة.. لأن المدن العظيمة روح عظيمة جامعة ..روح لم تتشكل في اللحظة وإنما تشكلت في التاريخ كله ..وقامت بدورها في تشكيل التاريخ كله. لقد كانت عودة حلب لوحدتها وأهلها وتاريخها عودة للحياة كلها ..وكنا في ظل تجزئة حلب وتقسيمها ..موتى كلنا ..لذلك تتبدى وحدة حلب وتحررها من أعداء الدين والحضارة كحدث كوني عظيم بالنسبة لنا نحن أولادها وكحدث تاريخي عظيم للحضارة كلها”.

– الأديبة سها جلال جودت، تستذكر تلك الأيام وتقول: “كيف يمكنني/ يمكننا أن ننسى جميعا ذلك الرعب المقيت الذي عشناه،، كلما نظرت إلى شجرتي السرو الباسقتين من شرفة البيت أمام العمارة في الحديقة الخلفية، أشعر بذاك الدبيب من الخوف وقد استقر من رأسي حتى أخمص قدماي، أجل والله لا أنسى كيف ارتفعت بي اﻷريكة التي أجلس عليها، أو تأرجحت كأنما ثمة زلزالا تحرك أسفل أساسات العمارة لترتج وتهتز وصوت يشق أجواء الفضاء وأعماق النفس البشرية ” بووووم تششش” لنبدأ كالعادة حالة التقصي عما حدث ؟ وأين؟!
لم يطل مقام استفسارنا لأعلم أنهم قد فجروا نفقا كبيرا حفروه من أجل الوصول إلى بواسلنا ونسورنا في محيط قلعة حلب وداخل القصر العدلي، فانهار المبنى الكبير، انهار القصر العدلي بطوابقه وأروقته وغرفه وقاعاته وأدراجه، والشهداء توزعوا هنا وهناك، في كل ركن وزاوية شهيد أو شهيدين، ونحن نحارب الخوف، نمنعه من السيطرة على إرادتنا وصبرنا، ومن بني زيد يمطرون ساحة القلعه جي وشارع تشرين والنيل والخالدية والسليمانية والعزيزية بقذائف صواريخ جهنم والهاون.
في تلك الفترة من الحرب البغضاء الملعونة ، المسلحون بحكم أسلحتهم وتواجدهم بين صفوف المدنيين استحكموا بالمنطقة وسكانها، ليبدؤوا لعبة الحصار الشنيع، ممنوع دخول المواد الغذائية إلى المنطقة ، في تلك اﻷيام السوداء كنت أنزل إلى سوق منطقة الفيض فلا أجد سوى البصل اليابس عند محل أو محلين، والباقي يحوقل ويشتم ويلعن في سره كل من كان سببا في تلك الحرب والحال التي وصلنا إليها، والغريب من المضحك المخيف أن أصحاب البسطات كانوا يتبادلون أدوار الموت فيما بينهم، من كان يمد بسطته هنا، وتناولته شظية من شظايا الحقد والهلاك، لايبقى مكانه شاغرا، أنك ستجد في اليوم التالي وجهاً آخر قد حل مكانه، ومدّ بسطته، دلالة أكيدة على إرادة هذا الشعب الذي لايقهر، وثمة أمر يجب ألا نغفل عنه ونؤرخ له من تلك المرحلة الصعبة، أن المرأة لم تتخل عن دورها القيادي في تأمين لقمة العيش لها وﻷسرتها، إحداهن عملت سائقة على سيارة أجرة، تجوب بها شوارع المدينة ضاربة عرض الحائط بالقذائف الطائشة التي كانت تستهدف اﻷحياء اﻵمنة، وأخرى تبيع على عربة الخبز والتفاح المحلى بالسكر اﻷحمر وقد وقفت مثل الطود لاتكل ولا تمل”. وتتابع: “معاناة كبيرة ومتشعبة اﻷوصاف، ومهما اختصرنا من رسم صورها البشعة المقيتة ستظهر صورة أخرى أشد مرارة وأكثر إيلاماً، حيث تمركزت صورها في قطع المياه عن المدينة كلها عندما احتلوا مقر مؤسسة المياه واستحكموا بها وبكل منافذها، وجع عشناه حين أذكره أشعر بالدمع يقف في محجري العينين يقول : الحمد لله تخلصنا منهم بفضل ثبات جيشنا البطل ورجالاته المغاوير، وإرادة شعب يريد الحياة، فكانت له الحياة!”.

– المحامي عبد الله يتيم يقول: ” عندما استولى المسلحون على مصادر المياه في حلب، سليمان الحلبي، أوقفوا تزويد أحيائها بالمياه ، فأسرعت الحكومة إلى تأمين مناهل للمياه في الشوارع ، والحدائق ، والمدارس .. وتشغيل الصهاريج الصغيرة الخاصة لتزويد المنازل بالمياه، كما عمد الناس إلى نقل مياه الشرب بعبوات بلاستيكية من المناهل إلى منازلهم ..
وكانت قذائف المسلحين تنطلق من جهات مناطقهم : بني زيد و كفر حمرة و بستان القصر وباب الحديد والشعار وبستان الباشا على أحياء حلب فتقتل وتدمّر وتشل الحركة اليومية ، فشح الغذاء و الدواء، و هرب الناس من الخطر الإرهابي .. وبسبب استيلاء المسلحين على القمح والطحين، فقد أغلقت الأفران، مما اضطر السكان إلى أن يصنعوا الخبز في بيوتهم، ويستدفئوا على الحطب، ويستضيؤوا بالشموع والبطاريات ..والأعمال تعطلت والمدارس أغلقت، وهرب الناس من الخطر المحدق بهم ..فانعدمت مقومات الحياة الاجتماعية ..أما بتحرير المدينة بفضل دماء الشهداء من الجيش العربي السوري فقد عاد الأمن والأمان إلى ربوعها، وكلنا إيمان باسترجاع بقية المناطق التي يحتلها المسلحون، فكل عام وسورية بألف خير”.
رقم العدد ١٦٢٥٣

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار