درة معالم حلب .. الجامع الأموي ● القبلية.. إنجاز مانسبته 90% والمئذنة 30% . ● الانتهاء من الحجازية والقباب و السجاد والواجهات والابواب الخشبية .. ● مخطوطات وكتب المكتبة الوقفية بأمان في دمشق .

 

الجماهير- بيانكا ماضيّة

عمليات الترميم والصيانة التي تقام في أحد أبرز معالم المدينة الدينية والأثرية، في الجامع الأموي بحلب، مازالت مستمرة مذ أن وطئت فرق العمل في هذا الجامع والمؤلفة من فريق عمل دارس (معماري، إنشائي)، وآخر منفذ (ورشات متعددة)، أي بجهود معمارية وفنية واستشارية، تحت إشراف المديرية العامة للآثار والمتاحف، وبإدارة الدكتور صخر علبي الأستاذ في كلية العمارة بجامعة حلب..
وللاطلاع على الخطوات التي وصلت إليها عمليات الترميم هذه، كان للـ(الجماهير) وقفة مع الدكتور صخر علبي للحديث عما تم تنفيذه ومابقي من عمليات الترميم.
وعن نسب الإنجاز يقول د. علبي: هذا بشكل عام ماتم إنجازه من مشروع الترميم، وبالنسبة للقبلية فقد تم إنجاز مانسبته 90%، والمئذنة 30% وبقي القسم الشرقي الذي مازلنا في مرحلة ترميمه في البدايات، أي يلزمنا حوالي فترة السنتين لكي يتم الانتهاء كلياً من مشروع الترميم. فالمئذنة تستغرق وقتاً طويلاً إذ أن كل طبقة من طبقاتها تستغرق شهراً، وهناك ثمانون طبقة، وقد انتهينا من ثلاثين وبقي خمسون طبقة، فإذا كانت كل طبقة تستغرق مدة شهر فهذا يعني أن المئذنة تستغرق حوالي السنتين، أما بقية الأقسام والأجزاء فتنتهي قبل هذه المدة.
بعد تحرير حلب مباشرة دخلنا إلى الجامع، ولكن كان هناك عمليات إزالة الأنقاض التي استغرقت وقتاً طويلاً، إلى أن وصلنا إلى ماتم إنجازه اليوم وبالتالي فإن معظم الأمور التقنيّة قد تم الانتهاء منها. ولايزال هناك أحجار كثيرة في صحن الجامع وبالتالي لم نستطع العمل بمايخصّ الأرضية، وحالياً يتم وضع هذه الأحجار في مكانها المناسب.


بقي القسم الذي لم يتم العمل عليه بعد وهو مدخل الجامع، دراسته منتهية لكننا تأخرنا بالعمل فيه؛ لأنه المدخل الوحيد لكل مستلزمات البناء وإعادة الترميم، وبعد الانتهاء من كل شيء سيتم العمل به.
الإنجاز الأكبر
يشير الدكتور علبي إلى أن مشروع ترميم الجامع هو واحد، ولكنه في حقيقة الأمر هو عدة مشاريع تبعاً لأقسام الجامع، وإن أردنا الحديث بتفصيل أكثر، فإن العمل في كل المساقات ولكن بنسب مختلفة، حسب ظروف العمل.
الإنجاز الأكبر كان في القبليّة (المصلى الرئيس) فقد وصلنا فيه إلى مرحلة تركيب التجهيزات (التكييف، التهوية) حتى الأبواب الخشبية فقد انتهت تماماً، إذ تم تصنيعها ومعالجتها لتستطيع تحمل الظروف المناخية، وحالياً يتم تركيبها، حتى مرحلة تصنيع السجاد قد شارفت على الانتهاء. وقد قمنا بتشكيل تصميم بالنسبة للسجاد لايصلح لأي مكان آخر، إذ هو مشتق من الجملة الإنشائية للقبليّة. هذا مايخص القبليّة إذ استغرقت الوقت الأكبر من مشروعنا.
الإنجاز الثاني هو الفناء الداخلي أو الصحن، فقد تم الانتهاء من ترميمه، ويبقى العنصر الرئيس والواضح للعيان وهو المئذنة، فقد أنجزنا بمايقارب الثلث باستخدام الأحجار القديمة قدر الإمكان، وذلك بعد أن تم توثيقها وقد تحدثنا عن ذلك غير مرة، وبعد أن تم دراسة مقاومة كل حجرة منها، فالمئذنة بطول 45 متراً ، حالياً نركب أنا وزملائي الأحجار القديمة، ووفق برامج إذ نعرف كل حجر من الأحجار المتبقية أن يكون موضعها في جسم المئذنة. وهذه العملية كانت شاقة، إذ أن التفجير الذي تم في المئذنة والذي قامت به المجموعات الإرهابية هو من فوق السطح، وقد اضطررنا إلى أن نفك المئذنة من السطح إلى الأساس، وقد تعلمنا أثناء الفك طريقة بنائها، فبعد التفجير لايمكن البناء على شيء باق، إذ فككنا مايقارب 15 متراً وصولاً إلى الأساسات.


في الماضي حين كان المئذنة مائلة كان هناك فرضيات إلى أنه يوجد ماء تحتها، إلا أنه في الواقع لم يظهر تحتها شيء، إذ أجرينا سبور التربة والأمواج الكهرطيسية التي تظهر إن كان هناك تكهفات أو غيرها، وهناك سبور هيدرولوجية تظهر إن كان هناك أحواض مائية، وبعد إجراء هذه السبور قمنا ببناء الأساس ووصلنا إلى مرحلة الثلث في البناء.
هذا الجزء الذي انتهينا منه ليس فيه شيء فني كلوحات وكتابات ونقوش وغيرها، حالياً وصلنا إلى مرحلة تنزيل أول شريط كتابي، وقد نجد أن هناك أشياء مفقودة فنقوم بتصنيعها وهذا عمل آخر يستغرق بعض الوقت.
هناك أمر غير مرئي للمشاهد وهو أسطح الجامع فكما كانت الواجهات مثقوبة بالرصاص، كذلك كانت الأسطح مثقوبة، وقد تم الانتهاء من أقسام كبيرة منها.
القسم الشرقي من الجامع.
ويتابع الدكتور علبي: هناك جزء آخر وهو القسم الشرقي الذي كان متضرراً جداً، وهو المتداخل مع الأسواق (سوق النسوان)، وقد كان هناك صعوبات كثيرة إذ أن هذا الجزء قد غابت معالمه كلياً، وقد ظهرت معنا بعض الآثار في أثناء العمليات كالجرار الفخارية، وهذا كله يستغرق وقتاً، وفي هذه الأثناء التي كنا فيها ننتهي من أمورنا مع مجلس المدينة ونهوضنا بالأساسات، كان هناك مبادرة من القطاع الخاص لترميم بعض المحلات في سوق المدينة، فحالياً نحن وأصحاب هذه المحلات التي تضررت في السوق نعيد بناء ترميم القسم الشرقي، وقد حصل هناك نهضة لهذا الجزء فهناك مايسمى (الحجازية) وهو مصلى صغير قد تم الانتهاء منه.
الواجهة الخارجية
ثم يتحدث د. علبي عن واجهة الجامع الخارجية فيقول: وهناك الواجهة الخارجية المطلة على الشارع انتهينا منها منذ فترة بعيدة، والمكان الذي نحن نجلس فيه الآن هو ساحة وقد جاءت مع التغييرات القديمة، حين تم فتح الشارع أمام الجامع، كان هناك اتجاهات في الترميم وفي تخطيط المدن أن يتم كشف المباني والمعالم حولها، وهذا تقليد للغرب، في الغرب بإمكانك إزالة بناء لكي يتم بناء آخر خلفه، فمعالم أبنية الغرب هي في الواجهات، أما لدينا فإن الواجهات تكون داخلية، فما حصل أنه في الخمسينيات حين تم الكشف لم يكن هناك واجهات، وهذا طبيعي، فتم إقامة هذه الواجهة البسيطة.


ورغم أن هذه الواجهة ليست أثرية لكننا قمنا بها بداية من أجل معالجة الثقوب والترميم، وكانت إلى حد ما حقل تجارب، فقبل أن نبدأ بالداخل في القسم الأثري بدأنا بها إذ كان هناك ثقوب في الواجهة كلها فكيف بإمكانها تعبئتها؟! هناك فتحات كبيرة من السهل ترميمها من خلال الفك والتركيب، لكن الثقوب الصغيرة التي أحدثها الرصاص لابد من معالجتها ويكون أولاً بإخراج جسم الرصاصة من المبنى وسحبها،لأنه إن بقيت فإن جسم المبنى سيرفضها ذات يوم، وهذا ماقمنا به، وقد انتهينا من هذا العمل تقريباً.
الساحة الخارجية
ويتابع: الساحة التي نعمل بها الآن وإذا عدنا إلى الحديث عنها، فقد أقيمت بعد شق الشارع وكانت ساحة وتحتها (باركينغ) ففي الخمسينيات كان هذا الباركينغ يكفي الناس ممن لديهم سيارات ويرتادون الجامع أو من هم في الجوار، في المرحلة الماضية حين تم الترميم هناك من اتخذ قرار بإلغاء الباركينغ، وبالنسبة لي كان قراراً خاطئاً، إذ كان هناك سوء استخدام له، فقد تحول إلى مغسلة سيارات، وكانت الذريعة في إلغائه هي أن المياه كلها تسيل إلى أساسات الجامع، لكن هذا ليس تبريراً إذ كان بالإمكان المعالجة. وفي الأخير تحول هذا الجزء في الترميم الأخير الذي حصل مابين عامي 1999- 2005 ودشّن الجامع في المرة الأخيرة أثناء احتفالية حلب عاصمة للثقافة الإسلامية، المهم تحول هذا الجزء إلى مكتبة، هذه المكتبة تم حرقها أثناء الحرب بشكل متعمّد، ولكن للأمانة أنه لم تكن هناك مخطوطات، فما حصل في الماضي أنه تم إنشاء مكتبة الأسد في دمشق، وكان هنا بقرب الجامع مايسمى المكتبة الوقفية وتقع في بداية سوق النسوان في القسم اليساري منه ولها واجهة مميزة، وفيها مخطوطات كثيرة وكتب قديمة قيمة، حصل أثناءها أن تم نقل هذه المخطوطات وغيرها من حلب ومن محافظات أخرى إلى دمشق. وكان هذا الأمر صواباً، إذ أنها لو بقيت في حلب لكان أصيبها التلف.


فهذا المكان الذي كان يحتوي في السابق الباركينغ وارتفاعه ثلاثة أمتار فقط، حسبنا الكلفة الاقتصادية الخاصة به فوجدنا أن ترميمه سيكلف كثيراً، فكانت الفكرة أنه ننشئ بديلاً ونعيد تأهيله من جديد، فنقوم بحفر التربة أكثر بعد فحصها. وفي المرة السابقة كان هناك أيضاً دراسة لهذه الساحة ولكنها دراسة بعيدة عن روح المنطقة، ولكننا أجرينا دراسة جديدة وتمت الموافقة عليها وإن شاء الله بعد الانتهاء من القسم الداخلي سترى هذه الدراسة النور، وما أستطيع قوله في هذه العجالة هي أن تنفيذ هذه الدراسة للساحة الخارجية سيكون من نفس روح ساحة الجامع الداخلية.
ثم هناك القباب التي انتهينا منها أيضاً، القبتان اللتان في صحن الجامع تم فكهما وصيانتهما، وهناك قبة أخرى وهي الأكبر وتقع في القبليّة فوق المصلى الرئيس، جميع هذه القباب كانت بحاجة إلى طبقات من الرصاص، وقد تم الحصول على هذه الطبقات.
حتى المنجور الخشبي الخاص بالواجهات الرئيسية والذي يحتوي الأرابيسك قد تم الانتهاء منه، ففي الترميم السابق تم تفكيك هذه الواجهات جميعها بسبب تلفها واهترائها، ولكن كان من الممكن إعادة ترميمها، وحين جئنا لإعادة الترميم في المرحلة الحالية وجدنا أن هذه الواجهات الخشبية محروقة بشكل مقصود ولئيم. فأعدنا تصنيع المنجور الجديد على الصورة التي كان عليها قبل 150 عاماً وفق المراجع التي أمكن الرجوع إليها.


رقم العدد ١٦٣٠٤

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار