حديث الجدران العتيقة .

يمنى حمامي

في آخر مرة زرت و شاهدت فيها بيت جدي ، بعد وفاته ، كانت جدرانه بائسة ، حزينة ، حتى تلك الياسمينة اليافعة دائما ، هرمت وتآكلت فروعها ، أظنها افتقدت لحديث جدتي معها والتي كانت تترنم كل صباح به وتهمس لها بأجمل الأغاني ، و تجعلها تسعد و تهوي إلى حضنها ، وهي تراها تصيغ من حباتها طوقا تتزين به ، إنها مواسم الحياة و انفاس الروح ،
بعدهم بات كل شيء باردا ، مقلقا لا يجلب الشعور بالدفء !!
و رغم موسم المطر و غزارته حينها ، و الذي لا يعترف بخارطة الزمان ولا المكان ، أظنني كنت أحتاج لأن أعايش في هاتيك اللحظة ذلك التناقض الذي نشأ ما بين دفئه و بين برودة كل الأشياء القابعة تحت وطأته ..
أتعلمون أني لا أسلك طريقا واقعيا في كل مرة أرغب فيها بالوصول إلى حارات حلب القديمة ..!!
لم اسكنها يوما ، و لكن هي من سكنتني ، و لا زالت !!
فلقد كنت أشعر أنني أنبت كأوراق الليمون من بين حجارتها المرصوصة جنبا إلى جنب ، أنبت وأكبر لأتعشق تلك الجدران وأعشش في ثغراتها ،
و أستوطن مع انين همساتها ..
و في كل مرة كنت أتجادل فيها مع نفسي .. تراني كشارب خمرة الحب وما هو بسكران !!
أتلمس بيدي هذا الجدار ، وذاك ، و استمع لهمسات من رحلوا !!
حتى خدي امتهن أن يغفو على تراتيلها ،
و لا أذكر انني فككت في طفولتي أسر أي ستارة ، كان الجيران يضعونها وراء باب بيتهم .. فتتطاير مع نسمات الهواء ، وترضي فضول أمثالي ، في التلصص على الجيران من وراء الأبواب المفتوحة ،
بالفعل إذا أردت يوما أن تقصد الحارات القديمة في حلب ، فلا تقصدها لتشاهدها ، بل أقصدها لتسمعها ، لتبصرها ،
فالحارات القديمة تملك حواسا ، أنت سادسها إن كنت تعي حقيقتها !!
نعم ، لا تتوجه لأي مكان يحمل إرثا شعوريا ، إذا لم يقتلك الشغف من الوريد إلى الوريد ، ولم تنزف شوقا ، كلما أحسست به ، فإنه لا ينقص بل يزيد ، فللأرصفة القابعة هناك على عتبات الزمن ذاكرة لا تشبه ذاكرتك ، تسكن كل من مرو عليها ، حاول أن تنصت لبكاءها ، خاصة في مواسم المطر !!!
فأنت تظن أن المطر ينهمر بنفس الطريقة على كل الأمكنة ، دون اكتراث لعمر الأزمنة ،، و هذا ليس صحيحا ، فالمطر ينجذب مثلنا لكل الأماكن التي تشتاقه ، وتعرف جيدا كيف تتشربه .

رقم العدد 16361

 
 
 
 
 
قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
نظّمت مديرية التربية والتعليم في حلب دورة تدريبية بعنوان "التعلّم الرقمي في المدارس الدامجة" للكوادر... احتفاء بالتراث الإنشادي في حلب.. حفل مميز على مدرج جامعة حلب بمشاركة فنانيين محليين وعرب محافظة إدلب: التعامل بالليرة السورية غير إلزامي بل هو خيار إضافي لتسهيل المعاملات وزارة الخارجية والمغتربين: تتقدم الجمهورية العربية السورية بالتهنئة إلى مملكة البحرين الشقيقة بمناس... نجاح (MoFA SY) _التحول الرقمي  _في وزارة الخارجية وتخفيف الأعباء عن المغتربين: العثور على مقـ ـبرة جماعية داخل مبنى أمن الدولة التابع للنظام المخلوع سابقاً في مدينة معرة النعمان ب... بإشراف إدارة منطقة معرة النعمان، نفّذت بلدية بسقلا أعمال تزفيت الطريق في البلدة، لتحسين الواقع الخدم... جامعة حلب تتصدر الجامعات السورية بذهب ICPC وتتأهل إلى العالمية 2026 وزارة التعليم العالي تصدر قرار بتمديد التسجيل على مفاضلة التعليم المفتوح حتى 18من الشهر الحالي إصابة 10 مدنيين جرّاء حادثي سير في محافظة إدلب اليوم الثلاثاء 16 كانون الأول