مباركة طاعتك ..

· يمنى حمامي

من المؤكد أنكم تتذكرون بدر الشهر الفضيل ، الذي ينزل كل عام على كرة من سكر وطحين ، محشو بالفستق الحلبي ، يملأ خلوة الحلوى بمعدة الصائمين !!

غزل البنات الحلبي ، و الكل يجمع على أنه طيب و شهي ،فمن عاش في هاتيك الأيام ، قبل أعوام منصرمة من الزمان ، يعرف كيف كان صخب المدينة يمتزج مع صخب الروح قبيل حلول شهر الصيام ، و يعرف أيضا كيف أن هذا الامتزاج يخلق هدوءا وسكينة في النفس ، وكأننا نظل لاهثين طوال السنة لنسكن في ليالي رمضان .

( مباركة طاعتك ) ، كانت هذه الجملة مكتوبة على باب هذه الشهر الفضيل ، يعلن بها الناس بدايته ، وانطلاقة أولى خطواته ، قاصدا كل مشتاق و عليل ، و عندما كنت صغيرة ، كنت أشبه شهر رمضان بأبي ، فالأشياء المشتركة بينهم كثيرة ، فهما يحملان نفس الوقار و ذات الكرم ، نفس العمق و ذات الروحانية ، تفاصيل صغيرة و دقيقة جمعتني بهذه الأيام ، فأنا أتذكر تماما اضواء المدينة التي تزين الشوارع والحارات ، و اصوات الباعة الذين يفردون بضائعهم على طرفي الطريق ، و بائع التمر هندي و العرق سوس ، اللذان يعتبران ماركة رمضانية بامتياز بجانب المعروك ، ورائحته التي تتغلغل للأعماق ، ألك ان تصف اصوات التسميع للآذان ، أو تفاصيل صلاة التراويح من الجامع الكبير والناس جماعات جماعات متوافدة لتأدية الصلاة !!!

لقد كانت الحارات تغرق في سحابات من روائح الطبخ و أنفاس الاهل والمحبين ، فالكل معزوم في اول يوم على موائد ظاهرها طعام وباطنها ألفة ووداد قل نظيره ، كيف لا ، والأبناء كلهم حول عوائلهم وآبائهم مجتمعين ، والجيران في مهرجان من تبادل الأطباق فيما بينهم فرحين ، لا فرق بين أحمد و جورج حينها فالكل لبعضهم مراعين .

شراكة حقيقية على الأرض ، و حتى في أفراحنا وأحزاننا ، نحن نقرأ الفاتحة و هم يقولون آمين ، كل الخلافات كان رمضان يطويها ليجعل الجميع متسامحين ، و كل التفاصيل توحدنا ، نلهف لصوت المسحر ، الذي ننتظره و كأنه احد الانبياء المرسلين ، يحمل رسالة سماوية للصائمين .

تنام المدينة و في جوف ليلها تظل الأيدي مرفوعة بالدعاء من القوامين المؤمنين ، و كأن هذا الشهر هو فرصة لنا من رب العالمين ، ليخلق فينا توازنا نحن عن القيام به عاجزين ، لتترك لياليه بصمة في أرواحنا ، و نخرج منه دوما ونحن آملين ، أنه في يوم ما ستتبدل الاحوال للأفضل على كل الأصعدة والميادين .

ت جورج اورفليان

رقم العدد 16376

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار