بقلم: الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
عندما تتهاوى عناصر قوة الإنسان أمام طغيان الحياة المادية الشرسة، وتتداعى أبراج الفضيلة أمام شراسة الرذيلة، لا بد لنا أن نتذاكر معنى عظيم تعرفه القلوب المؤمنة وخلق كريم تتحلا به النفوس المحسنة، وتألفه العقول المحكمة، إنه الانعتاق من كل سلاسل الحياة والانبعاث في ملكوت الخالق العظيم، استرشاداً به واعتماداً عليه، إنه التوكّل على الله.
والذي يشير إلى اعتماد القلب على الله تعالى في استجلاب المصالح ودفع المضار، ومعناه: تفويض الأمر لله، والاستعانة به في جميع الأمور، وربط الأشياء بمشيئته، وهو: صفة إيمانية، ويقين ثابت، والتوكل مقرون بالسعي والحركة، وعند مبادئ الأمور، و في سائر الأحوال.
لقد جعله المولى جل شأنه شرطاً للإسلام والإيمان فقال سبحانه : ” إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ” ( سورة يونس:84) ،
والتوكل من أجل صفات المؤمنين، وأرفع درجات السالكين، وأعلى مقامات الموحدين، قال تعالى: ” إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آيته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون “( سورة الأنفال:2)
والتوكل وصية الله للأنبياء ، ووصية الأنبياء لأقوامهم ، فهذا نوح عليه السلام يقول لقومه : ” يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ” (سورة يونس:71)، وقال سبحانه آمراً وموجهاً رسوله محمد صلى الله عليه وسلم : ” فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ” (آل عمران:159)
ولقد كانت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم مشربةً بالتوكل على الله يعلمه للأصحاب قولاً وفعلاً وقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أنكم توكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا» رواه البخاري. وهذا الحديث أصل في التوكل، وأنه من أعظم الأسباب التي يستجلب بها الرزق، قال الله عز وجل: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه}.28/
وكان صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة أدعيةً تقطر توكلاً وإيماناً من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لأحد الأصحاب: «يا فلان، إذا أويت إلى فراشك، فقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت؛ ونبيك الذي أرسلت. فإن مت من ليلتك مت على الفطرة، وإن أصبحت أصبت خيرا» . متفق عليه.
والحديث عن التوكل على الله تعالى حديث يبدأ ولا ينتهي، فهو من أوسع منازل الإيمان وأجمعها، ومن أجلّ الأعمال الصالحة، وما أحوجنا في هذه الأيام لنغرس هذا المعنى في القلوب، علّ الله تعالى أن يفرّج عن شعبنا ووطننا العظيم ما حل به من غلاء وبلاء ووباء وتكالب أعداء.