سبب فقدان النعمة

بقلم الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة

إِذا كُنتَ في نِعمَةٍ فَاِرعَها
فَإِنَّ المَعاصي تُزيل النِعَم
وَحافِظ عَلَيها بِتَقوى الإِلَهِ
فَإِنَّ الإِلَهَ سَريعُ النِّقَم

في إطار البحث عن الأسباب الحقيقية التي وصلت بواقع الأمة إلى ما نراه من أزمةٍ ومحنةٍ، من شدَّةٍ وضيقٍ، من غلاءٍ وبلاء. يشكِّلُ القرآن الكريم مرجعنا الأول في هذا البحث فقد قال عنه ربنا سبحانه: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا}[الإسراء:89]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستكون فتنة قالوا ما المخرج منها يا رسول الله قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم بينكم) رواه أحمد.
ولقد أخبرنا الله تبارك وتعالى أن الصور عبر العصور تتشابه وأن الأيام تتداول بين الناس فقال: {وتلك الأيام نداولها بين الناس} إذاً هذه الأيام التي تعيشها الأمة قد عاش مثلها من مرَّ على هذا الكون قبلها من الأمم والشعوب.
تُرى ما كان سبب أزمتهم وكربهم وبلائهم؟ نقرأ السبب في قوله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾[النحل: 112]، لقد ضرب الله لنا مثلاً ووضعنا أمام السبب الذي وصل بواقع أمتنا إلى ما نحن فيه ﴿قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾، تماماً كما كُنّا، تلك القرية ﴿كَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ﴾ وكذلك فعل بعض الفاسدين والجاهلين في الأمة على ترامي أطرافها واختلاف مجتمعاتها إنهم كفروا بنعمة الله، ومعنى الكفر بنعمة الله عدم الشكر عليها، وإساءة استخدامها فكم كنا نرى أغنياءً أساؤوا استخدام أموالهم، وكم كنا نرى أقوياء أساؤوا استخدام قوّتهم، وكم كنا نرى أنواع الأطعمة في حاويات القمامة، وكم كنا نسمع عن الملايين التي كانت تُنفق على الحفلات التي لا طائل تحتها. وكثيرة هي النماذج التي تصب في مظاهر كفر النعمة، فكانت النتيجة في واقعنا كما في ذلك المثل القرآني ﴿أَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾. على أن هذه العقوبة كانت بنسبة متفاوتة بين الأشخاص زماناً ومكاناً في بلادنا.
ورب قائل يقول: لماذا لا تكون النتيجة نفسها في المجتمعات الأخرى من غربٍ أو شرقٍ وربما كان فيهم من مظاهر كفر النعمة أكثر من مجتمعنا؟ والجواب: أن هذا الأمر متعلق بإرادة الله تعالى في تعجيل العقوبة أو عدم تعجيلها بالاستدراج بزيادة النعم على من كفر بها؛ غير أن العقوبة بعدها تكون أكثر بكثير من الجوع والخوف، قال تعالى : ﴿فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون﴾[الأنعام:44].
فيا من أعطاه الله من نعمه الظاهرة والباطنة – وكلنا ذاك الرجل – فلتتق الله فيها ولتشكره عليها؛ فإن كنت ممن أساء وأخطأ في شكر النعمة فتب إلى الله تعالى لعله يرفع عنا ما حلّ بنا من مكروه.
اللهم عرّفنا نعمك بدوامها، وألهمنا شكرها على الوجه الذي يرضيك، تجاوز عن مسيئنا وأصلحه، وزد في إحسان محسننا وأكرمه يا أكرم الأكرمين.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار