مراجعة كتاب ” فن أن تكون دائماً على صواب ” للفيلسوف آرثور شوبنهاور

بقلم حسين قاطرجي

أقرأ هذا الكتاب وأنا غير مقتنعٍ به، إذ أين الفضيلة في أن أكون على صوابٍ دائماً!! وما قيمة هذا الفن الذي يضّطرني لأمارس الكذب والمخادعة لأفوز في مناظرةٍ ما؟! وهل بُغية العاقل إلا أن يتحرّى مكمن الحق فيتّبعه وإن جرى على لسان خصمه.

ثم لِمَ أتعلم أساليب التدليس والتمويه إذا كان ما أقوله باطلاً!! ولِمَ على المرء أن يُلبس الفِريةَ لبوس الحق والصدق لينقض حجة مُحاوِره ويُسقط دليله الدامغ؟؟.

 

على المرء أيّاً يكن موقعه من المجتمع أن يكون دارياً بأصول الحوار وضوابط صناعة النقاش وإدارته، وأن يمتلك قدراتٍ تحليلية تُعينه على مُغالطة الطرف الآخر وقلب الحجّة عليه شرط أن يكون الهدف من هذا النقاش تقصّيَ الحق والإنصاف ثم إرشاد المُناظر إلى الرأي الأرجح والصواب القويم. ومن هذا المنطلق وحده تنبع أهمية الكتاب والفائدة منه.

 

يضع الفيلسوف المُتطيّر دائماً شوبنهاور في كتابه “فن أن تكون دائماً على صواب” ثمانٍ وثلاثين حيلةً تعين الأطراف المُتحاجّة على النيل من بعضها، وهي تهدف بالدرجة الأولى تغليط الآخر واستغلاق الفكرة عليه واستعجام عبارته وتشتيت ذهنه حتى يجد نفسه في آخر المطاف وقد حُشِرَ في خانة المهزوم بالإقناع والإفحام.

شخصيّاً لم أقرأ لهذا الفيلسوف النّكد غير هذا الكتاب لكني قرأت عنه كثيراً من الكتب والمقالات، وكلّ مقالٍ لايزيدني منه إلا نفوراً..

 

تفتقر بعض الحِيل لأصول الحوار وكياسة المتناقشين كالحيلة رقم 18 والتي تنص: مقاطعة الخصم وتغيير المجادلة فيما لو اقترب من تسجيل نقطة ضدّنا!! وهذا لعمري من أعيب ما يكون في المناظرات.

ومنها الحيلة رقم 27 والتي تنص على البحث عمّا يُغضب الخصم، فإذا وجدنا ما يُغضبه وجب علينا الدفع بهذه الممارسة والتركيز عليها لزيادة إغضابه فيظهر بمظهر الضعيف أمام الجمهور!

وأيضاً الحيلة رقم 24 والتي تنصّ على استخراج نتائج كاذبة من حديث الخصم وتشويه المفاهيم التي يطرحها.

والحيلة رقم 28 والتي تهدف إلى إقناع الجمهور وليس الخصم، خاصةً إذا كان الخصم زمرة علماء ونحن لا نملك أمامهم حججاً قوية!!

 

أما الأخبث ممّا سبق فهي الحيلة رقم 31 والتي تطالبك بالقول: لست أفهم شيئاً مما تقول وذلك لتشويه عبارة الخصم وإرغامه على تلف نفسه في الشرح والتكرار. والحيلة رقم 32 والتي تطالبك بإهانة الخصم باعتبار أفكاره خليطاً من المانوية والأريوسية والحلولية والبيلاجيوسية وغيرها من الاصطلاحات التي نفهم ولانفهم بهدف تضليل السامعين ولتبديد أفكار الخصم وتقويض إمكانياته. وغيرها كثير مما لايستقيم مع مبادئ الحوار السليم و”بروتوكول” النقاش الهادف.

 

أقول: إن العاقل الرزين يتعفّفُ أن ينتصر لرأيه إن عرف أنّه باطلٌ، بل يتحرّى الحق ويقف عنده، ويلتزم به حدود اللياقة والاحترام، ويرفض أن يتعصّب كل طرفٍ لحجّته، وعليه فإنّه من الأجدر بنا أن نبحث عن كتبٍ تعلّمنا النزاهة الفكرية لا التعصّب الأعمى.

 

صدرت نسختي من الكتاب عن منشورات ضفاف ومنشورات الاختلاف طبعة عام 2014، وعرّبها المترجم المتمكّن د.رضوان العصبة، وتقع النسخة في 100 صفحة من القطع المتوسط ولم أجد للكتاب قيمة ولا أنصح بقراءته.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار