زُهيدة هورو
وكتلك الكلمات التي يدركها الإنسان لغة يعي بها العقل البشري ويستوعب ما فيها من دلالات ومعان واضحة، كذلك لغة الموسيقا والتي تعد من أهم اللغات الفنية والروحية حيث تدركها الأحاسيس والمشاعر الإنسانية وتستوعبها الروح بنغماتها وجملها الموسيقية التي نظمت بأيدي من تشربها علما لا حدود له
والموسيقا كلمة قد تبدو للوهلة الأولى سهلة اللفظ والمعنى ولكن ما إن نتمعن بها وبما تخفيه من أسرار ومعالم للفن والجمال الروحي والوجداني حتى نجدها أبجدية كتبت حروفها نوتات ترجمت بأنامل من أبدعوا عزفها وبكل ما تحتويه من آلات موسيقية، نغمات تتماذج مع كل مافي الحياة لتصدر أصواتاً تنثر وبكل نغمة تعزف، ألقها وتألقها، خاصة وأنها كانت في عهدة مبدعيها ممن أجادوا العزف بمهارة واحتراف عالٍ محولين مافي تلك الآلات إلى سحر يشدو وبكل آيات الجمال في الكون لتكون للروح البشرية دواء من كل داء..
و لأن لكل آلة موسيقية حكاية وطابعا خاصين بما تتسم به من خصائص وميزات جعلت لكل منها بصمتها الموسيقية، والتي تميزها عن الأخرى، لذا سنخصص الحديث عن عائلة الكمان وما تحتويه من آلات وترية تمتاز بمساحة صوتية واسعة و بالإمكانيات التقنية العالية، والتجانس الصوتي، فهي ذات طبيعة صوتية متجانسة من أدنى درجات القرار لأعلى درجات الجواب، و تعتبر من أكثر العائلات قدرة على الاداء لمقاطع لحنية طويلة وبسرعات مختلفة.
محمد نامق موسيقي أكاديمي من خريجي المعهد العالي للموسيقا بدمشق، ومن حصيلة خبرة أعوام طويلة قضاها عازفاً محترفاً لآلة التشيللو، يكمل لنا الحديث عن عائلة الكمان، وتحديدا عن التشيللو بحوار موسيقي جمعنا معه.
عائلة الكمان
وعن عائلة الكمان ومافيها من الآلات وأهم مايميزها من تفاصيل، حدثنا نامق قائلا : عائلة الكمان مؤلفة من الوتريات الأربعة، وهي ( الكمان، الفيولا، التشيللو، الكونترباص) وأهم مايميزها هو التنوع والانتقال بين الريجسترات المختلفة، كما أنها تحمل الخصائص نفسها من حيث الشكل وعدد الأوتار فيها، وأيضا المسافات والفواصل فيما بينها، لكن مع اختلاف الأحجام وطبيعة الصوت من الحاد جدا، وهو صوت (الكمان) إلى صوت القرار العريض الباص، وهو لآلة التشيللو والكونترباص، أما آلة الفيولا فهي تأخذ اسم أوتار التشيللو نفسه وآلية عزف آلة الكمان نفسها مع اختلاف بسيط جدا عن حجم الكمان، وجميع مافي عائلة الكمان من آلات تعزف بالقوس، وأحيانا بآلية النقر بالإصبع، مما يجعل كل ذلك بمثابة صلة الوصل المشتركة بين عائلة الكمان، والتي ميزتها عن غيرها من الآلات الموسيقية الأخرى.
وأما عن التشيللو، فقد أضاف بأنه يكتب لها على مفتاح فا، وتمثل مدى (التينور والباص) وكثيرا ما ينظم ألحاناً رئيسة مكتوبة خصيصا لها، وذلك ضمن الأوركسترا لما تتمتع به من قدرة تقنية وتعبيرية عالية .
رحلة موسيقية
وحدثنا عن بداية رحلته الموسيقية خاصة مع آلة التشيللو، والتي كانت عام 1992، حيث شغفه الموسيقي دفعه وهو في سن مبكرة للانتساب للمعهد العربي بحلب (صباح فخري) حاليا، وذلك لتعلم مبادئ الموسيقا وكل مافيها من قواعد، خاصة العزف على آلة التشيللو، ومن بعد تلك المرحلة، وبعد مضي عدة سنوات – يضيف نامق – بأنه تابع دراسته الموسيقية لكن بصورة أكاديمية أكثر وباحترافية عالية من خلال التحاقه بالمعهد العالي للموسيقا بدمشق، وذلك عام 2004 ، ليتخرج بعد أن أكمل سنواته الخمس، مختصا بالعزف على آلة التشيللو بعد كسبه المزيد من مهارات العزف وعلوم الموسيقا وقواعدها على يد أمهر الأساتذة والخبراء في المعهد.
التشيللو
وبالحديث عن ملامح آلة التشيللو الموسيقية وميزاتها ذكر لنا بأن التشيللو هي من الآلات الغربية الكلاسيكية القديمة، و لايمكن الاستغناء عنها لما تمتلكه من سلاسة بالعزف وتقنيات خاصة فيها، فوجودها مهم بأي فرقة وعمل سيمفوني، وحتى مع الأوركسترا التي تقدم موسيقا كلاسيكية، وأيضا في موسيقانا الشرقية والعربية نظرا لأهمية دورها الكبير اللحني الغنائي والإيقاعي معاً، ولقدرتها على أن تكون تلك الآلة التي تعطي إيقاعاً لحنياً مع الآلات الإيقاعية من خلال العزف بالنقر بالإصبع والمسمى (البيتزيكاتو) .
أسرار
ومن المؤكد أن لكل عازف أسراره الخاصة، والتي تربطه بالآلة التي يتقنها عزفا، وعن هذا يشير نامق عن علاقته المميزة مع التشيللو والصداقة التي تجمعها بها ومايربط بينهما من أسرار وشغف موسيقي ليجعل منها ليست مجرد آلة يعزفها، بل لتغدو الأقرب لروحه، وأمانة غالية لقلبه بكل مافيها من أسرار اكتشفها، جعلت منه عازفاً احترفها وبإتقان عالٍ، لتكون الوفية معه وبكل مراحل حياته الموسيقية، فهذا الترابط القوي مابين نامق والتشيللو وعلى مر السنين، جعل له مكانا مميزا وحضورا موسيقيا يُشهد له بين العازفين المحترفين، سواء من خلال مشاركته المهمة على المسارح في سورية وأيضا خارجها بمحافل عربية، وحتى في مجال عمله بتسجيل الموسيقا التصويرية وذلك من خلال اقتران الموسيقا التي يعزفها بالصورة الدرامية ليشكل بهذا لوحة فنية وموسيقية متكاملة لا تتجزأ ونجاحا مبهرا يضاف إلى مسيرته الفنية.
عطاء وشغف
وفيما يخص مجال عمله في التدريس الموسيقي، خاصة العزف على آلة التشيللو، وعن رسالته تلك
أشار إلى أهمية تلك التجربة في حياته الموسيقية، والتي حملت صفة المدرس المختص بعلم الموسيقا وتحديدا تعليم مهارات العزف على التشيللو، وذلك ضمن المعهد العالي للموسيقا بدمشق ومعهد شبيبة الأسد وعدة معاهد موسيقية أخرى، والرسالة من تلك التجربة هي إكمال مسيرة ما بدأه الأساتذة الكبار الذين لهم الفضل الكبير في حياته الموسيقية بمنحه العلوم والثقافة الموسيقية ومافيها من تفاصيل،
مشيداً بعطائهم، قائلا: هم قدوتي، عملت لأكون مثلهم مع الطلبة الذين أشرف على تعليمهم وتدريسهم، عملي قائم على الاحترام وتكريس أهمية القواعد الموسيقية، والتي من خلالها يتعلم الطالب تكنيك ومهارات العزف، لينتقل بعدها إلى امتلاك كل مافي الآلة من أسرار وخفايا.
وأما عن المستقبل وما يتمناه لطلبته الراغبين بتعلم العزف على آلة التشيللو، بين نامق بأنه يأمل أن يراهم مكملين مشوارهم الموسيقي من خلال العزف، وأيضا التدريس، وأن يساهموا قدر المستطاع في نقل ثقافتهم الفنية والموسيقية التي اكتسبوها لكل الأجيال، وبنفس ذاك الشغف وما تلقوه من عطاء وأمانة لكي تبقى التشيللو حاضرة وبقوة من خلال العزف عليها الى جانب الآلات الموسيقية الأخرى.
بإمكانكم متابعة آخر الأخبار و التطورات على قناتنا في تلغرام